ثم إنه ينبغي على حاضري الدرس أن يهتموا به من عدة جوانب منها: أولاً: الإخلاص لله تعالى، وهذه قضية القضايا وأصل الأصول ومسألة المسائل.
ثانياً: احتساب الأجر في الحضور، وقد مر معنا أشياء استفتحنا بها عمداً لأجل بيان خطر وعظم ومكانة قضية حلق العلم والدروس.
ثالثاً: الانضباط في الحضور، وعدم الغياب والتأخر، ومما أفسد كثيراً من الدروس؛ يأتي كثيرٌ من الخيرين يقولون: لا بد أن نقيم درساً ونقرأ في كتاب، متى؟ يوم كذا في الوقت الفلاني، ثم هذا يغيب مرة، وهذا يتأخر مرة، حتى يفسد الدرس، فمما يفسد الدروس الغياب والتأخر، ولذلك يضطر بعض الناس أن يعمل غرامات، لماذا؟ هل نحن أطفال؟ أو نحن ناس إلى هذه الدرجة قضية غير مهمة عندنا؟ وبعض الناس يدفعون دفعاً إلى الحضور، واحد يقول: مروا علي وذكروني إذا لم أكن مشغولاً فسوف آتي، نحن الآن لماذا عقدنا الدرس أصلاً أليس للأجر والفائدة؟ ثم هذا يقول: عندي ظروف خاصة، هذا يقول: أهلي يحتاجوني في كذا، هذا يقول: دورة، هذا يقول: تأخرنا في الدوام وأنا اليوم متعب، ونحو ذلك من الأعذار، بعضها صحيح ولكن بعضها زائف، وقد بينت هذه القضية في درسٍ عن الأعذار المتهافتة أو السخيفة.
وكذلك لا بد من الالتزام بالأوقات واحترام المواعيد، وجود تجانس ما أمكن بين الحاضرين، تقارب مستوى الفهم، حتى لا يكون هذا يريد الإعادة كذا مرة وهذا فهمها من أول مرة، تفريغ النفس من الشواغل ذهنياً حتى تفهم، الاستعداد المسبق لا لكثرة التعليقات وبالذات غير المفيدة، وكثرة الأسئلة دون داعٍ، مع أن السؤال مهم إذا وجد من يعطي جوابه، لا لكثرة المقاطعة أثناء الإلقاء، تترك التعليقات إلى نهاية كلام المصنف أو العالم أو صاحب الكتاب أو شارح الموضوع، وجعل وقت معين لفقرات الدرس من الأمور المهمة، يُقدَّم عرض للموضوع على الإضافات والتعليقات، ولا يصح أن نجعل التعليقات من الأشياء العقلية المجردة عن العلم التي تسيء إلى توقيت القضية.
وكذلك من الآفات: أن يحضر الناس وفيهم نوم ونعاس، وقد ساءني وآلمني ما سمعت عن واقع حلقة علم لواحد من العلماء الكبار الموجودين، يقول: ذهبت بعد الفجر ووجدت درس الشيخ على شهرة الشيخ خمسة عشر رجلاً؛ اثنين نائمين، وواحد وراء العمود شخيره واصل إلى المجموعة، وواحد أتى له جوال فذهب يرد عليه، أي حلقة علم هذه؟!! ولذلك أول إجراء: إقفال جميع الأجهزة حتى يكون هناك فائدة من الدرس، على الأقل الأجراس، يا أخي إذا ما أردت أن تقفل الأجهزة، إذا ما احترمنا الدرس فلن يكون مفيداً إطلاقاً.
وكذلك أن يكون هناك حدٌ أدنى يطالب به الجميع، وتنويع وسائل المنفعة قراءة وسماعاً ومناقشة، وإذا كان ليس على مستوى الترجيح فلا يرجح بين الأقوال الفقهية، يعرض الأقوال فقط، أو يقول وفلان يفتي بكذا من العلماء، كثمرة عملية يقلد تقليداً، ولا يرجح وهو ليس بأهل للترجيح، ثم إن بعض الأشخاص مثلاً قد يقرأ الموضوع قراءة مملة، فلا يستوعب الحاضرون المقصود، ولذلك العلماء كانوا يهتمون بقضية المملي والمستملي والمبلغ؛ أن يكون صيتاً حسن القراءة جيداً في اللغة ونحو ذلك، يقرأ المتن ثم الشرح ويراعى الفقرات الموجودة أين بدايتها وأين نهايتها.
وكذلك لا بد من مراعاة عدد الناس الذين يمكن أن يستوعبوا هذا الموضوع، قد يحضر في درس المسجد آلاف، وقد يكون درساً في مجلس، لو حضره كثيرون ما وصل الصوت أصلاً، وكذلك فإن مراعاة شيء من الراحة أثناء فقرات الدرس طيب ومهم، وعندما قالوا في الدراسات الحديثة: إن حصة الجامعة لا تتعدى خمسين دقيقة مثلاً في الجامعات، ثم يأخذ راحة خمس دقائق، ثم حصة أخرى، هذه من مراعاة التركيز والذهن الذي يتشتت، وبعض الناس قد يسيئون للدرس بعمل ضيافات كبيرة قد تأخذ وقتاً طويلاً وتشتت الذهن، ولذلك إذا جعل الضيافة ففي الاستراحة، أما واحد يعظ أو يذكر شيئاً في كتاب الله، وهذا يقول: صب لي، وهذا يقول: لا أريد من هذا، ضع نعناعاً، وهذا يقول: أليس عندكم زنجبيل؟ فلذلك لا بد من مراعاة هذه القضايا، نعم لا بأس بشربة ماء، لكن أن يجعل الموضوع الأساسي هو العشاء والأكل والضيافة ثم هذا الدرس ربع ساعة، فهذه كارثة، ثم أن يعذر بعضهم بعضاً في الأعذار الصحيحة، ويتواصى بعضهم مع بعض في الأعذار الزائفة، ويحمس بعضهم بعضاً على الحضور وعلى الانضباط في هذه الدروس.
لعلنا نكتفي بهذا المقدار، وهناك تكملة للموضوع لعلها تكون إن شاء الله في الدرس القادم، هذا الدرس هو آخر الدروس قبل إجازة الحج، وسيكون هناك إن شاء الله ذكر لبعض الأحكام المتعلقة بالحج وأحكام الأضحية، وعشر ذي الحجة في خطبة الجمعة بمشيئة الله، ونعاود الدرس في الأربعاء بعد فتح المدارس، أول أربعاء إن شاء الله بعد فتح المدارس، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد.