نأخذ مثالاً من السيرة: حادثة واحدة وقع فيها نوعين من الاستشارة: استشارة فردية واستشارة جماعية، حادثة الإفك، الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تكلم في أهله المنافقون ونشروا الفتنة والبلبلة، ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ صعد على المنبر، وخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، وقال:(أشيروا عليّ في قوم يسبون أهلي، والله ما علمت عليهم من سوء قط) استشارة جماعية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يتخذ موقفاً جماعياً من المنافقين المندسين بين الأنصار، فإذاً لابد من أن يجتمع الناس على رأي؛ لأن المسألة تعم الجميع.
لكن لما جاء عليه الصلاة والسلام ليستشير في أمر عائشة، ماذا فعل؟ استشارة شخصين هما: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، واستشار علي بن أبي طالب الصهر، وهل من المصلحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقف على المنبر يقول: يا أيها الناس، أشيروا علي في براءة زوجتي؟ هذا ليس بمناسب، ولذلك أخذ علياً وسأله، وأخذ أسامة وسأله، لكن عندما صارت المسألة موقف من المنافقين، وشيء يعم الجميع صعد على المنبر واستشار.
فإذاً: عندما يكون الأمر متعلقاً بالجميع، فتكون الاستشارة جماعية، وعندما يتعلق الأمر بشيء خاص، أو تكون هناك حساسية معينة، وليس من المعقول أن يجمع الناس ويؤخذ رأيهم في شيء من هذا فتكون فردية، فمن سيتزوج هل يجمع كل أصحابه ويقول: ما رأيكم في زواجي من فلانة؟ لا.
وإنما سيذهب إلى واحد بالسر بينه وبينه فيشير عليه، الإنسان إذا عرف الصواب وتوصل إلى نتيجة هل يستشير ويستشير أم ينفذ الاستشارة؟ الجواب موجودٌ في قوله عز وجل:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[آل عمران:١٥٩] وفي البخاري: عندما شاور الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في أحد، أشار عليه المتحمسون بالخروج من المدينة، فلبس عليه الصلاة والسلام لأمته، فلما أشار عليه الآخرون بالبقاء، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ (لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها) لماذا؟ لأننا استشرنا وأخذنا الرأي هذا إذاً ننفذ.
ولم يكن هناك وضوح تام أن البقاء في المدينة (١٠٠%) هو الأصلح؛ بدليل أن المسلمين انتصروا في البداية، فلو نفذت الأوامر كما ينبغي لكمل الانتصار.