أما الهمة في العبادة: فإن الله سبحانه وتعالى قد رغبنا في ذلك، وذكر لنا حال أصحاب الهمم العالية في العبادة؛ مثل:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:١٦ - ١٧] وهذا النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الأمة قاطبة في همته، فهو أعلى الناس همة في العبادة كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه.
قال ابن مسعود:[صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه] يعني: يكمل الصلاة قاعداً.
وروى مسلم عن حذيفة قال:(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه).
والأمثلة كثيرة في الصحابة والتابعين وذكرنا طرفاً صالحاً من هذا في محاضرة بعنوان:"اجتهاد السلف في العبادة"، فلا نطيل في ذلك.
ولكن لنعلم -أيها الأخوة- أن الشيطان يثبط الإنسان أن تكون له همة في العبادة، والشيطان يعقد على قافية رأس أحدنا بثلاث عقد حتى لا يقوم الليل، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت، وإذا صلى انحلت كل العقد، ولما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم رجلاً نام حتى أصبح، قال:(ذلك رجل بال الشيطان في أذنه).
أما بالنسبة للهمة في البحث عن الحق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو النبي صلى الله عليه وسلم- كان يسأل الله أن يوفقه للحق ويدعو ربه ويناجيه في الليل وهو يصلي ويقوم الليل:(اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك).
الإنسان مطالب بالوصول إلى الحق، وأن يحاول ذلك، سواء كان في مسائل الاعتقاد، أو العبادات ومعرفة الصواب والحق فيها، ينبغي أن يبذل جهده في ذلك.