[حديث البخاري في حكم النبي بحد الزنا]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
إخواني في الله: روى الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى في صحيحه في باب الشروط التي لا تحل في الحدود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- أنهما قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر- وهو أفقه منه-: نعم.
فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل؟ قال: إن ابني كان عسيفاً عند هذا، فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله.
الوليدة والغنم ردٌ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه يخبرنا عن حادثة من الحوادث التي وقعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف حَكَمَ فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ هذان الرجلان جاءا من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما- يشتكي-: (يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله) يلح على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضي له بكتاب الله، وهذا من قلة فقهه؛ إذ أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله لا يحتاج إلى إلحاح ولا إلى زيادة في الطلب، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يقضي بغير كتاب الله مطلقاً.
قال الخصم الآخر- وكان أفقه منه-: (نعم.
فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي) كان مؤدباً في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: نعم أوافق خصمي على ما قال، اقض بيننا بكتاب الله، ولكن أرجو أن تسمح لي أن أتكلم وأفصل لك في الموضوع، و (حسن السؤال نصف العلم) فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الثاني: قل؟ قال: (إن ابني كان عسيفاً- يعني: أجيراً، أو خادماً- عند هذا الرجل- الخصم: ابني كان خادماً عند خصمي -فزنا بامرأته- ابني الشاب الأعزب زنا بامرأة هذا الرجل وهو خادم عنده -وإني أخبرت، وفي رواية أخرى: فسألت من لا يعلم- سألت أناساً جهالاً لا يعلمون بأحكام الدين -فقالوا: إن على ابني الرجم، فلما علمت هذا الحكم ذهبت إلى هذا الرجل زوج المرأة، فحاولت أن أرضيه بشيء من المال، فأرضيته، فاصطلحنا واتفقنا على أن أعطيه مقابل الزنا الذي حصل بامرأته، أعطيه مائة شاة ووليدة -أي: جارية- بعد ذلك سألت أهل العلم بكتاب الله فأخبروني أن ما على ابني هو مائة جلدة وتغريب عام) أن يذهب به بعيداً عن وطنه وبلدته لمدة عام زائداً الجلد مائة جلدة، وهذا هو حد الزاني غير المحصن الأعزب الذي لم يتزوج، وأن على امرأة هذا الرجل الآخر الرجم -لا بد أن ترجم لأنها محصنة ومتزوجة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله -يعني: بحكم الله تعالى سواءً في القرآن أو في السنة- الوليدة والغنم ردٌ عليك) يأيها الخصم! أرجع المائة شاة والجارية إلى الرجل فهذا شيء باطل، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد الصحابة الذين كانوا يوكلون بإقامة الحدود، وقال: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا الرجل -اذهب عليها وقررها- فإن اعترفت، فارجمها.
قال: فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).