فمن جهة الأخلاق العلمية فإنه كان حريصاً على العلم، وهذا من أهم سمات طالب العلم أن يكون حريصاً على العلم، له نهمة وحرص على العلم يدون الفائدة ويركض وراءها حتى يحصلها، ولا يكون هذا إلا إذا كان نهماً صاحب نَهْم، كما قال البخاري رحمه الله في سبب حفظه:(النهم والمطالعة) كثرة المطالعة وأن يكون الإنسان نهماً، أي: عنده همة في الحرص على الفوائد والعلوم.
قال أبو عبيد: دخلت البصرة؛ لأسمع من حماد بن زيد، فقدمت فإذا هو قد مات، فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي، فقال: مهما سُبِقْتَ به فلا تُسْبَقَنَّ بتقوى الله عز وجل، يعني: مهما فاتك فلا يفوتنك تقوى الله عز وجل.
وقال أيضاً: سمعني عبد الله بن إدريس أتلهف على بعض الشيوخ: وا أسفاه على فلان الذي ما أدركته، مات قبل أن آخذ عنه، فقال لي: يا أبا عبيد! مهما فاتك من العلم فلا يفوتنك العمل؛ لأن العمل هو القصد، أول العلم التقوى والعمل، فلو قال أحد الآن: لماذا نتعلم؟! ولماذا يتعلم طالب العلم؟! نقول: من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم، فلا بد من القصد أن يكون حسناً.
فما هي نية طالب العلم في تعلمه؟ لا بد من تحديد الأهداف: أولاً: لينال خشية الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨].
ثانياً: ليعمل به، فإذا صار هدفُ طالب العلم الخشية والعمل، صح توجهه، وطابت نفسه، وزكى.
وكثيرٌ من الناس ربما يطلبون العلم لجمع العلم يطلبون العلم شهوةً في العلم يطلبون العلم للشهادة للمال ليكون صاحب قضاء ونحو ذلك، ومثل هذا لا يبارك له في علمه، ولا يستفيد ولا يُستفاد منه، لكن إذا طلبه لخشية الله، وليعمل به ويؤجر على العمل ويرفعه الله درجات، فهذا الذي يستفيد ويُستفاد منه.
وكان أبو عبيد -رحمه الله- متأدباً غاية الأدب مع العلماء، يقول عن نفسه:"ما أتيت عالماً قط فاستأذنت عليه، ولكن صبرت حتى يخرج إليَّ، وتأولت قول الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}[الحجرات:٥] ".
وقال أيضاً:"ما دققت على مُحدِّثٍ بابه قط وإنما أنتظر حتى يخرج ثم أفاتحه برغبتي" وهذا يدل على أدبه رحمه الله مع الشيوخ، ما كان يزعج أحداً، ولا يطرق الباب وإنما ينتظر، وهذا ما فعله ابن عباس -رضي الله عنه- كما قال:[كنت آتي بيت الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأريد أن أسمع منه الحديث، فأجلس على بابه في القيلولة حتى أنام، أتوسد العتبة، فتُسْفِي الريح على وجهي التراب؛ لكن أتحمل حتى يخرج إلي، ويعاتبني لماذا لم أطرق عليه].