أيها المسلمون: إن عذاب النار ليس خاصاً بالآخرة وإنما جزء منه ولا شك في البرزخ -أيضاً- كما أنه في الدنيا، في الدنيا يصلنا من حرارتها، وفي البرزخ يكون هناك من الحرارة في القبر على المعذبين، كما جاء في حديث البراء بن عازب الذي رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح، قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فلما قعدوا حول القبر وعظهم النبي عليه الصلاة والسلام في حال المؤمن وفي حال الكافر والفاجر، فقال في الثاني وذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار.
قال: فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، ثم تعاد فيه الروح ويضرب هكذا فيصير تراباً، ثم يعاد فيضرب إلى قيام الساعة).
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرارة النار تصل إلى الفاجر والكافر في قبره عبر هذه النافذة المفتوحة كما قال:(وافتحوا له باباً إلى النار)، هكذا كان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه ويذكرهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى مذكراً أنه لا يستوي الظل ولا الحرور، قال:{وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ}[فاطر:٢١] فبين أن الأشياء المتباينة كالأعمى والبصير والظلمات والنور والظل والحرور هذه أشياء لا تستوي، وكذلك لا يستوي الكفر والإيمان، وكذلك لا تستوي السنة والبدعة، وكذلك لا يستوي صاحب الدين والخارج عن الدين:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}[هود:٢٤] وهكذا الظل والحرور.
فأما الجنة فإن فيها ظلاً ظليلاً لا ينحسر، بخلاف ظل الدنيا فإنه ينحسر بحسب حركة الشمس، ولكن ما هو ظل جهنم؟ إنه ظل من يحموم كما أخبر الله سبحانه وتعالى، فأولئك لهم ظل ظليل وهؤلاء لهم ظل من يحموم، وكذلك فإن شرابهم حار غاية الحرارة، كما قال تعالى:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد:١٥] فهم يجدون في النار حراً من وهجها ولهيبها، وكذلك الظل الذي فيها إنه من يحموم، إنه لا يفيد شيئاً، إنه لا يخفف عمن استظل به؛ لأنه من يحموم.