كذلك في هذا الحديث: المخاطرة لأجل الدين، فركوب البحر خطر عظيم؛ خاصة أن القوارب أو السفن كانت بدائية في ذلك الوقت، واحتمال هيجان الأمواج في البحر كبير، وحصل لعدد من العلماء من اليمن إلى جدة رحلات بحرية ذكروها وذكروا الأخطار التي فيها، حتى ذكر الشيخ صديق حسن خان رحمه الله رحلةً بحرية من اليمن إلى جدة لأجل الحج، وذكر ما حصل من تلاطم الأمواج بالسفينة التي كانوا فيها حتى أوشكت على الغرق، ورأى بعض الناس في خضم هذه الأهوال بدلاً من أن يقولوا: يا الله أنقذنا، كل واحد منهم جعل ينادي الولي الذي يفزع إليه في وقت الشدة، يا عيدروس المدد المدد، يا بدوي المدد المدد، يا جيلاني المدد المدد، يا شاذلي أدركنا وهكذا، حتى أن أحد الموحدين قال: اللهم أغرق أغرق فما بقي أحدٌ يعرفك! كل واحد فزع إلى ولي وإلى بشر، وتركوا الله، ولذلك فإن مشركي عصرنا أسوء من مشركي قريش، أولئك إذا ركبوا في الفلك واضطربت الأمواج دعوا الله مخلصين له الدين، وهؤلاء لما ركبوا في الفلك واضطربت بهم الأمواج قالوا: يا فلان يا فلان، وتركوا الله عز وجل.
فركوب البحر إذاً خطير، ومع ذلك ركبوا البحر مع كون الوسائل بدائية، ركبوه لله وفي سبيل الله، فالإنسان في سبيل الدين يخاطر، لكن عندما تكون المصلحة متحققة، فإنه قد صدرت أوامر إلى المسلمين بالهجرة.
وركب المسلمون البحر للجهاد، والغازي في البحر أعظم من الغازي في البر، لأن الغزو في البحر فيه خطورة، وأجره أكثر، وقد طلبت إحدى النساء المسلمات من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو لها أن تكون شهيدة في البحر، وقد كان ذلك فعلاً في غزوة في البحر رضي الله تعالى عنها، بايعت النبي عليه الصلاة والسلام واستشهدت، واستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام يضحك، ورأى قوماً من أمته كالملوك على الأسرة يركبون ثبج البحر للجهاد في سبيل الله، هذه الجزر الموجودة كجزيرة قبرص وغيرها من الجزر فتحها المسلمون وعبروا منها إلى الأندلس، ركبوا البحر في سبيل الله وتفوقوا وانتصروا على الكفار.
فإذاً ركوب البحر على المخاطرة التي فيه أجره أعظم ولا شك.