وموقع القدوة خطيرٌ ومهمٌ، ولذلك فإن الإنسان إذا صار يُقتدى به؛ لا بد أن يلاحظ أعماله، ويحاسب نفسه على تصرفاته أكثر من أن يكون شخصاً عادياً، ولذلك أهل القدوة الحقيقيون لا يكاد يوجد عليهم مقال، [عن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود، فقالت: أنبئت أنك تنهى عن الواصلة -التي تصل الشعر- فقال: نعم، فقالت: أشيء تجده في كتاب الله، أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أجده في كتاب الله وسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف، فما وجدت فيه الذي تقول، فقال: فهل وجدت فيه، أي: في القرآن: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧]؟ قالت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن النامصة والواشرة، والواصلة والواشمة، إلا من داء) قالت المرأة: فلعله في بعض نسائك، سمعنا أن زوجتك تفعل شيئاً من هذا، فقال لها: ادخلي البيت وانظري إلى نسائي في البيت، فدخلت، ثم خرجت فلم تجد فيه شيئاً مما ذُكر] أي: من المنكرات في الأعراس، أو في غيره، فإن ذلك قدحٌ في خيره وصلاحه وعلمه، لأنه يجب عليه تغيير ذلك، وإن كان هذا في حق الناس كلهم ممنوعاً في النكاح وغيره، لكن في حق العدل آكد، لأنه إذا حضر شيئاً من هذا وما شاكله، ترتب عليه مفسدتان عظيمتان: إحداهما وهي أشدها: سقوط عدالته، ولا تقبل شهادته، لأن الإنسان إذا جاء إلى منكر وجلس، وجلوسه حرام، فهو مجاهر بجلوسه في المنكر، وجلوسه منكر.
والثانية: أنه قدوة، فيقع العوام بسبب تعاطيه ذلك في اعتقاد جوازه في الشرع، فيكون ذلك سبباً للإحداث في الدين.
إذاً موقع القدوة مهم، إذا جعلك الله يا أخي قدوةً إماماً أو مدرساً، أو في أي مكان أنت فيه قدوة، حتى لو كنت أباً لأولادك أنت قدوة في البيت، فاحرص كل الحرص أن تعطي القدوة حقها، فلا تفعل منكراً، ولا تأته، ولا تجلس في مكانه، لماذا قيل في الصلاة على المجاهر بالمعصية المصر عليها أن أهل العلم والفضل لا يصلون عليه؟ لو جيء برجل معروف بشرب الخمر، أو مات منتحراً، أو مات بالمخدرات، جيء به إلى شيخ إمام معروف، أو عالم، أو داعية مشهور، فينبغي ألا يصلي عليه، ويقول: صلوا على صاحبكم، لماذا؟ لأنه موقع القدوة.