الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.
عباد الله: إن كثيراً من الناس قد خالفوا أمر الله ورسوله في إبراء ذممهم، وأتوا على أمر من الأمور الذي يقلق أنفسهم ويقض مضاجعهم، ألا وهو الاستدانة من الغير وأخذ القرض والسلف؛ حتى ركبت كثيراً منهم الديون، واجتمع عليهم من الهموم ما لا يذوقون معه طعماً للنوم ولا يهنئون بعيش.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الاستدانة، الاستدانة التي لا يكون لها داعٍ وإنما يدفع إليها عدم القناعة والحرص على الاستكثار من الدنيا، والتوسع في الملذات الفانية، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:(لو كان لي مثل أحدٍ ذهباً ما يسرني ألا يمر عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين) كان اهتمامه بأمر وفاء الدين عظيماً.
إن الإنسان قد يضطر أحياناً للاستدانة، وإنه عليه الصلاة والسلام يقول: لو كان عندي مثل أحدٍ ذهباً لأنفقته في سبيل الله، لا يمر عليَّ ثلاث إلا أنفقت في سبيل الله ما عدا أمراً واحداً وهو إعداده لإيفاء الدين.
أيها المسلمون: ولقد حرصت الشريعة أيما حرص على حقوق العباد، فإن حقوق العباد عظيمة، والله قد يتسامح في حقوقه لكن حقوق العباد باقية، ولذلك فقد جاءت الشريعة بالأمر بقضاء الدين قبل الوصية، فلو مات الميت وعليه دين وقد أوصى بوصية ولأهل الميراث حقوق، فإن الدين يقدم على الوصية، وعلى ميراث الورثة، فيقضى الدين أولاً لقوله صلى الله عليه وسلم:(الدين قبل الوصية).
إن الذين يرهبون أنفسهم بالدين لا يعلمون المعنى الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بقوله:(لا تخيفوا أنفسكم بالدين) لأنه خوفٌ ومخافة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل من دعائه شيئاً يستعين به ربه على هذا الأمر، فكان يقول:(اللهم استر عورتي، وآمن روعتي، واقض عني ديني) وكان عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال) أما ضلع الدين: فهو غلبة الدين؛ لأنه يرهق صاحبه إرهاقاً، وضلع الدين: هو الذي لا يجد الدائن من يدينه، وكان يقول -أيضاً- في رواية:(اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو في الصلاة بقوله: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) وانظر إلى حال هؤلاء الذين يركض أصحاب الديون وراءهم لأخذ الديون، ترى العجب في الكذب في الحديث وإخلاف الوعد، يعده مرات كثيرة ثم لا يوفي، لو قال له: لا أستطيع، أو ليس لدي مال لكان أهون، لكنه يعد ويخلف، ويعد ويخلف، ويعد ويتهرب وهو على هذا الحال.