والثالث والعشرون: أن مخالفة الهوى تقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله لأبره، فيقضى له من الحوائج من رب العالمين أضعاف أضعاف ما فاته من هواه، فهو كمن رغب عن بعرة وأعطي بدلاً منها ذُرة، ومتبع الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة، والعيش الهنيء الشيء الكثير لو تركه للهوى؛ فإن ترك الهوى كان أسهل بكثير، وما يفوت بالهوى ليس بشيء بالنسبة لما يبقى من عز الطاعة، وتأمل يوسف عليه السلام لما قوت على نفسه لذة الحرام مع امرأة العزيز، وخالف هواه، ماذا أعقبه الله؟ بسط الله تعالى له نساءً وخدماً ومجداً وعزاً في السلطان بعد خروجه من السجن، لما قبض نفسه عن الحرام بسط الله له يده في السلطان فصار عزيز مصر.
ومن الرؤى والمنامات الصالحة لـ سفيان الثوري ما رآه عبد الرحمن بن مهدي بعد موت سفيان الثوري -وهم علماء من زمان العلماء، وهؤلاء طلاب عند العلماء وأهل العبادة والزهد والورع والعلم والدين إخوة في الله، الواحد يشتاق للآخر جداً، وإذا مات صعب عليه وتمنى لو يراه في المنام، تمنى لو يكون له خبراً عن حاله- وعبد الرحمن بن مهدي لما مات سفيان الثوري رآه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: لم يكن إلا أن وضعت في لحدي حتى وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى، فحاسبني حساباً يسيراً ثم أمر بي إلى الجنة، فبينا أنا أجول بين أشجارها وأنهارها لا أسمع حساً ولا حركة إذ سمعت قائلاً يقول: سفيان بن سعيد؟ فقلت: سفيان بن سعيد، قال: تحفظ أنك آثرت الله عز وجل على هواك يوماً؟ -تحفظ أنك يوم من الأيام قدمت الله على هواك؟ - قلت: إي والله، فتأخذني النثار من كل جانب، والنثار ما يلقى على العروس عادة أو على الحضور قال: فأخذني النثار من كل جانب.