قال الذهبي رحمه الله مستشهداً استشهاداً جميلاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان الذهبي يتكلم على العلماء، قال: بعض العلماء صوابهم كثير وخطأهم قليل، ويعذرون فيما لا يعذر فيه غيرهم، ويتسامح معهم فيما لا يتسامح فيه مع غيرهم ممن كثر خطؤه وقل صوابه، فقال: ألم تر أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، فقال عن أحد العلماء لما ذكر خطأه، قال: وهذا الخطأ مغمور في بحر علمه وفضائله، وكان من كلامه الجميل جداً يقول في ترجمة ابن حزم -وأوصي كل طالب علم أن يقرأ ترجمة الذهبي في سير أعلام النبلاء لـ ابن حزم رحمه الله- قال الذهبي: ولقد وقعت له على تأليف يحث فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له، لأن علم المنطق علم مذموم، وابن حزم كان من أخطائه رحمه الله أنه اهتم بعلم المنطق، فتألمت له، فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع دون الأصول.
كان عنده شيء من الظاهرية وبعض الأخطاء، لكن كيف أثنى عليه؟ ثم قال: فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار، ثم قال: ولي أنا ميل إلى أبي محمد -أي ابن حزم - لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يكتب من الرجال والعلل، وأقطع بخطأه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين وأخضع لفرط ذكائه وسعة علمه.
انظر الآن كيف تجد الذهبي رحمه الله تكلم عن ابن حزم على ما فيه من بعض الأخطاء، كيف أتى بهذا الأسلوب، هل تخرج أنت أيها السامع بالنفور من هذا الرجل؟ وتصد نفسك عن القراءة من أي شيء له؟ لا.
بل تجد فيه محاسن، معرفته بالحديث الصحيح واتباعه له في كثير من الأحيان، وكان رأساً في علوم الإسلام إلى آخر هذا الكلام.