وكذلك إذا تأمل متبع الهوى حاله من بعض الآيات كقول الله عز وجل:{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:١٢٤] لو تأمل هذه الآية سيجد أن عز وجل حرم الإمامة على متبع الهوى، لماذا؟ لأن الله يقول في آية أخرى:{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الروم:٢٩] وهناك قال: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:١٢٤] فالظالم يتبع الهوى، والظالم قد حرم من الإمامة، فمتبع الهوى قد حرم من الإمامة في الدين، فلا يمكن أن يجعله الله عز وجل إماماً يؤتم به في الدين وهو متبع للهوى، فهو ليس بأهل لأن يطاع، ولا أن يكون إماماً ولا متبوعاً في الخير.
وجعل الله متبع الهوى بمثابة عابد الوثن، فقال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:٢٣] وجعل الله حظار جهنم -الشيء الذي يحوط جهنم- الهوى والشهوات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم اتباع الهوى من المهلكات، فقال:(أما المهلكات: فهوىً متبع، وشحٌ مطاع، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه).
ولو تأمل صاحب الهوى، أو الذي يأتيه الهوى ما له من العاقبة الحسنة إذا خالفه هواه، ومن النور الذي يدخله الله في قلبه، لثبت عند هذا ووقف، قال بعض السلف: الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده.
تأمل! الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده، فتح مدينة بأكملها من شخص واحد أمر عسير جداً، لكن أعسر منه أن يخالف الإنسان هواه.
وكذلك جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه، قال ابن القيم رحمه الله: وسمعت شيخنا يقول: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين؛ فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً، ثم يخرج إليهم.