وأما تواضعه وعفوه رحمه الله تعالى؛ فإنه كان يدعى إلى الوليمة فيمضي إليها ولا يتكبر، ويُسأل في الوليمة، فيجيب ويكون حضوراً مشهوداً من أجله.
إذا كان في الوليمة أبو جعفر الطبري، تجد الناس يتقاطرون، ويعظم مقدار الوليمة، وصاحب الوليمة يسر بإتيان أبي جعفر.
ووصفه عبد العزيز بن محمد، فقال: كان جميل الأدب في مأكله وملبسه، منبسطاً في أحوال نفسه، منبسطاً مع إخوانه حتى ربما داعبهم أحسن مداعبة.
ومن مداعباته لأصحابه وإخوانه وطلابه: كان أحد أتباع الطبري اسمه أبو الفرج بن الثلاج يتعسف في كلامه، وقال عن طعام يقال له: طباهجة -طعام يصنع من بيض وبصل ولحم- فبدل أن يقول: طباهجة، قال: طباهقة، فلما سئل؟ قال: ألا ترى أن العرب تجعل الجيم قافاً، فقال أبو جعفر: فأنت إذاً أبو الفرق بن الثلاق! لأنه أبو الفرج بن الثلاج، فصار يعرف بأبي الفرق بن الثلاق ويمزح معه بذلك.
وكان الطبري رحمه الله لا يحمل حقداً ولا ضغينة؛ وله نفسٌ رضية، يتجاوز عمن أخطأ معه، ويعفو عمن أساء إليه.
قال أبو بكر بن كامل: لما حضرت أبا جعفر الوفاة فسألته أن يجعل كل من عاداه في حل، لأجل شخص كان قد عادى الطبري ووقع فيه، ففعل وقال: كل من عاداني وتكلم فيَّ فهو في حل إلا رجل رماني ببدعة، لأنهم اتهموا أبا جعفر الطبري بأنه متشيع، وأنه ليس من أهل السنة.
فإنه رحمه الله تعالى بريء من بعض الأشياء التي رمي بها، وما من عالم إلا وله كبوة، أو يخطئ في أشياء، ومر معنا في حياة الأئمة شيء كثير.