خذ من كل شيء شيئاً
وقال: (كذلك علم الحساب يحتاج منه إلى ما يُعرف به حساب ما يقع من قسمة الفرائض والوصايا والأموال التي تُقسم بين المستحقين لها، والزائد على ذلك مما لا يُنتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان لا حاجة إليه، ويشغل عما هو أهم منه).
في الغالب علم الرياضيات يفيد في علم المواريث، فمعرفة الكسور وتوحيد المقامات هذه مهمة في علم المواريث، فلا بد أن تعرف الثلث والربع والسدس والثلثان والثمن، والأنصبة التي جاءت في المواريث، فلو اكتشفنا لعلم الرياضيات تطبيقات معاصرة مفيدة في الأمور الدنيوية مثلاً، فهل نأخذ؟
الجواب
نعم.
الآن من أهم الأشياء حتى لو أردت الجهاد في سبيل الله، مثلاً المعادلات التي تنبني عليها قضية المقذوفات، ومعرفة المواقع، وانطلاق القذيفة، وعندما تذهب بهذا الشكل القوسي إلى المكان، هذه مسألة مهمة جداً، يجب أن تعرف؛ لأن لها ارتباط واضح بقضية تفيد وتنفع المسلمين.
وهناك مثلاً الطب: فالرياضيات لها بعض التطبيقات الطبية، مثل: المعادلات التفاضلية لها علاقة بالتكاثر السكاني، أو تكاثر البكتيريا، أو انتشار مرض الإيدز، أو تلوث مياه البحر، هذه كلها قائمة على معادلات رياضية.
وكذلك أشعة الرنين المغناطيسي للتصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد، هذا قائم على مسلسلات فوريير في الرياضيات القائم على نظرية التكامل والتفاضل وذهاب الأشعة وانطلاقها وتشعبها أو تفرقها أو تشتتها، واستخدام الرياضيات لعمل شفرات المعلومات التي تقي البريد الإلكتروني والمعلومات التي تذهب في البريد الإلكتروني.
فالمسلمون عندما اخترعوا الصفر -وكان غير معروف عند من قبلهم- كان ذلك اختراعاً عظيماً أدَّى إلى تطور كبير في العلوم، لكن هناك بعض الأشياء حتى في بعض علوم الرياضيات والطبعيات التي تُدّرس غير مفيدة؛ بل إنها مشغلة، وأقصى ما فيها لذة الذهن أحياناً.
بعض الأشياء تتعلق أحياناً بالعدد والزمرة والوحدة والفئات الخالية، والإغراق في نظريات المجموعات، والمنطق المشوش، فهذه الأشياء موجودة في الرياضيات الآن، ولكن دراستها لم يظهر فيها أشياء مفيدة، فدراستها والإغراق فيها عبارة عن ضياع وقت.
على أي حال، قد يقول ابن رجب رحمه الله كلاماً في الرياضيات أو في الحساب من قديم على أشياء معروفة في زمانهم، فالآن الأمور اختلفت.
فنقول ونحن في زماننا: ما كان مفيداً منها يُدرس وما لا فائدة فيه لا يُدرس، فهو إضاعة وقت، ولكن أحياناً الشخص قد يكون مكرهاً؛ لأن المنهج واحد، والامتحان سيأتي على جميع المنهج، وأنت مطالب بأن تدرس المنهج بما فيه مفيد أو غير مفيد، وهنا لا بد أن يكون المدرس حكيماً ومسئولاً، فمثلاً: التركيز على ما ينفع وعدم تشتيت أوقات الطلاب والحصص في أمور لا تفيد.
وبعض الناس -كما قلنا- يدرسون العلم للعلم، وليس من أجل الإستقادة منه، ويقولون: العلم للعلم، والثقافة للثقافة، وهذا شعار جاهلي مطلق؛ لأن الغربيين يدرسون كل شيء، عندهم، كل جانب من جوانب العلوم والمعرفة هذا جانب مقدس يجب أن يُدرس، فقد لا يكون مفيداً، ما الفائدة أن شخصاً يأخذ دكتوراه في اللغة الهيربروفية؟ أو لغة اندثرت من زمان ولم يعد أحد يستعملها الآن، ليكتشف بعض الأشياء التي يعلمونها في بعض الآثار، وعلوم الآثار يأتي ويذهب، وتركز الأضواء والأنوار والأشياء على استخراج شيء يؤخذ بعناية ويلف وتوضع له مواد تنظيف، وفي النهاية ما هي النتيجة؟ استخرجوا صنماً، ويعتبروا هذا اكتشافاً كبيراً وهائلاً وتنشر نشرات وإعلانات وسبق علمي وصحفي "استخراج صنم"، هذا أول شيء ينبغي أن يُكسر {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:٥٢] ولكن يقولون: هذا علم.
فبعض المتأثرين بالذين درسوا في الخارج أو المنهج الغربي عندهم مشكلة، وهي التي يشير لها ابن رجب حقاً وحقيقة في قضية الانشغال بالعلوم غير النافعة، بل منها علوم ضارة في هذا الزمان على البشرية.