[طريقة الشريعة الإسلامية في محاربة الأمراض والأوبئة]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني: تكلمنا في الخطبتين الماضيتين عن أمورٍ تتعلق بالتنجيم مثل أبراج الحظ المنتشرة في المجلات والجرائد.
وتكلمنا عن بعض الأمور المتعلقة بالكهانة والسحر والدجل الذي يفعله كثيرٌ من الجهلة وأعوان الشياطين، وحكم الذين يذهبون إليهم من المسلمين، وبينا صوراً كثيرة للبدع المنتشرة في هذا المجال.
ونريد أن نختم الكلام عن هذا الموضوع في هذه الخطبة بتبيان الواجبات على المسلم: - ما هو دوره في إنكار هذا المنكر الذي قد استشرى وانتشر كالهشيم في مجتمعات المسلمين؟! - ما هي الوسائل التي يجب اتخاذها؛ لكي نحارب هذه الأمور المنافية للعقيدة والمخالفة لها من جميع الوجوه؟! ونحن نجمل بعض النقاط التي تتعلق بهذا الواجب حتى تتكون لدى المسلم فكرة واضحة عن الأمور التي تساعده في محاربة هذه الأشياء.
واعلموا -بادئ ذي بدء يا إخواني- أن طريقة الشريعة في محاربة الأوبئة والأمراض تتلخص في قضيتين أساسيتين: الأولى: تحقيق الشروط.
والثانية: انتفاء الموانع.
أما الأول: طريقة الشريعة في محاربة إتيان الكهان، أو البدع المتعلقة بالسحر والدجل والشعوذة، إذا تأملت فيها فإنك تجد الإسلام قد جاء بنصوص فيها تحقيق شروط التوحيد، التي تؤدي إلى هدم قواعد السحر والكفر والكهانة والتنجيم وغيرها.
هذا من باب تحقيق الشروط.
وأما الثاني: فإنك تجد الشريعة قد جاءت بنصوصٍ تحرم إتيان الكهان والسحرة، بل إن فيها ألفاظاً شديدة من جهة الخروج عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم والكفر بما أنزل عليه، وهذا من باب تحقيق انتفاء الموانع.
ولذلك كان لا بد للمسلم عندما يحاول أن يحارب هذه الأشياء أن يبحث عن سبب المشكلة أولاً، فقد تجد أن السبب عند من يأتي المنجمين، أو قراء الكف أو من يفتحوا أبراج الحظ في الجرائد والمجلات قد تجد السبب في هذا أنه لا يؤمن بقول الله عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، ولم يستقر في قلبه وعقله مطلقاً أن الله عز وجل هو المتفرد بعلم الغيب، وأنه لا يمكن لأي أحدٍ آخر أن يعلم الغيب إلا الله عز وجل.
عدم الإيمان بتفرُّدُ اللهِ بعلم الغيب، هذه المسألة هي سبب البلاء والمشكلة، ولُب الموضوع، فإذا أردت أن تواجه هؤلاء الناس فإن عليك أن تقر في أذهانهم هذه المسألة، وتأتي بالنصوص من القرآن، والسنة، وأقوال علماء السلف، أن الله هو وحده الذي يعلم الغيب، وأن من ذهب إلى أناسٍ يعتقد أنهم يعلمون ما يحدث في المستقبل فإنه قد نازع الله تعالى في حقٍ عظيمٍ من حقوق الربوبية، وهو: علم الغيب، وهذا كفرٌ شنيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وإذا تأملت -مثلاً- وأردت أن تعالج أحوال الناس الذين يُعلقون التمائم الشركية، والأحجبة التي يسمونها بـ (العزائم)، فإنك ستجد أن هؤلاء الناس يعانون من نقصٍ خطير في فهم قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام:١٧] والإيمان بهذا النص وما شابهه.
فإذاً: لو كانوا يؤمنون بأنه إذا مَس الإنسانَ ضرٌ فإنه لا يكشفه إلا الله عز وجل، فلماذا يذهبون إلى أولئك الكهان والعرافين، يطلبون منهم أن يكشفوا هذا الضر الذي نزل بهم؟! وبالجملة؛ فإن تعليم الناس أسماء الله وصفاته من الأمور التي تحارب الشرك والدجل من أساسهما.
وإذا انتقلت معي إلى الشطر الآخر، وهو انتفاء الموانع، فإننا يجب أن نُعلِّم الناس ما هو حكم إتيان الكهان؟ وماذا يكون حكم من صدقهم؟ ونأتي لهم بالآيات والنصوص الدالة على ذلك.