للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصائح في موضوع طلب العلم]

السؤال

كثيراً ما تطرح الأسئلة حول كيفية طلب العلم، والأولويات فيه، وما يقدم فيه وما يؤخر، ولكن غالباً الإجابات تكون خالية عن الواقعية ويتضح هذا بالتطبيق، ما هي الوسيلة المثلى لطلب العلم في عصرنا الحاضر مع الأخذ بعين الاعتبار الوسائل الحديثة كالأشرطة وقلة العلماء مع التوفيق بين الطلب والدعوة؟

الجواب

الحمد لله، تزاحم الواجبات يضيق الأوقات لكل منها، لو أنا الآن نعيش في عصر السلف لما وجدنا هذه الظروف النفسية، وهذه المشاكل من الناس التي تستغرق نشاطنا الذهني وتفكيرنا وإشغال الذهن بإيجاد حلول للمشاكل، ما كان عندهم المشاكل الموجودة الآن، والتعقيدات العصرية الحالية، الآن الذهن منشغل بآلاف المخترعات كلها حفظناها الملعقة والشوكة والسكينة وغسالة الأواني، من أول حتى هذه الأشياء في الحياة كانت بسيطة، لم تكن هناك مشاكل نفسية ومشاكل أسرية، كان يوجد صفاء، كان هناك عوامل الآن نفتقدها في حياتنا، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية حاجة الإسلام لأشياء كثيرة تجعل طالب العلم ليس عنده متسع من الوقت ليتفرغ بالكلية للعلم مثلما كان يتفرغ السلف رحمهم الله، لأن الإسلام في ضيق والمسلمين في حالة يرثى لها، والوضع يتطلب أن تبذل في أشياء كثيرة والوقت محدود والبركة في الزمان قلت، ابن حجر رحمه الله كان مرة يتكلم عن بركة الوقت وعن الأقدمين وكيف كان هذا، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن البركة من الوقت ستقل وتقل، فلعل وقتنا هذا هو الذي قصده عليه السلام، هذا ابن حجر مئات المؤلفات يقول: لعل الوقت المقصود هو الذي نعيشه الآن (يقصد في عصره)، فكيف لو أن ابن حجر وجد في هذا العصر، ماذا كان سيقول؟ فإذاً: تزاحم الواجبات مشكلة وخطأ أن الواحد يعتكف، ويقول: أنا أريد أن أطلب العلم فقط، أنا ليس عندي وقت لكي أدعو، هذه طبعاً مخالفة للشمولية، والإنسان عندما يعمل يرى ما هو الأحوج للناس ليبذل فيه أكثر، فإذا رأى أن عنده ذاكرة قوية فعليه أن يركز في العلم أكثر من أي شيء آخر لأنه ربما أفاد، فهذا الأفضل له أن يركز في العلم أكثر، لكن ليس هناك شيء اسمه: لا أدعو ولا أطلب علم، ولو أن إنساناً يجيد الوعظ ويجيد التذكير ويجيد تحريك القلوب مثلاً، ولكن ليست عنده تلك الذاكرة القوية وذلك الفهم الكبير يتوجه إلى وعظ الناس أكثر، لكن لا يوجد شيء اسمه أعظ الناس وأدعوهم ولا أطلب العلم، لكن يؤخذ بعين الاعتبار طاقة الإنسان، كل واحد يعرف نفسه، والذي لا يعرف نفسه ربما يجد له أخاً يعرف عنه أكثر مما يعرف هو عن نفسه.

فإذاً: هذه أشياء يجب أن توضع بعين الاعتبار، لماذا توضع بعين الاعتبار؟ حتى لا يقرأ الإنسان سير العلماء الأقدمين وبعد ذلك ينظر في حاله، فيكتب: يا شيخ وصولنا مستحيل وكيف نصل؟! صحيح هذا قد يكون مستحيلاً، لكن الآن لا نجد أمثال الشافعي وأحمد ومالك، لماذا؟ لهذه الأشياء، لكنّ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيراً موجوداً ولن يخلو الزمان من طائفة قائمة بالحق، ولن يخلو الوقت من قائم لله بحجة، لا يمكن أن يخفى الحق في زمن من الأزمان على كل الناس، يجب أن يكون هناك أناس يعلمون الحق؛ الطائفة المنصورة والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة.

أما كيف تطلب العلم؟ فهذا بسطه يطول وقد لا أفيدكم فيه مثل ما قد يفيده غيري ممن هم من أهل العلم، لكن الأخ ذكر نقطة مهمة، قال: بعض الناس يذكرون أشياء غير واقعية مثلاً يقول: تبدأ بحفظ المتون والشروحات وتبدأ بكذا وكذا، وهذا الشخص نضجه العقلي ضعيف فكيف يقرأ المتون ويحفظها؟ يذكر لنا أحد أهل العلم يقول: أول ما ذهبت أطلب العلم جلست إلى الشيخ فقرأت جزءاً من الفرائض، لما انتهى قال: قسم رجلٌ توفي عن كذا وكذا، قال: يا شيخ أنا الآن ما فهمت المتن كيف تريد مني أن أقسم؟! فصحيح أن هناك أناساً يطلبون أشياء غير معقولة، وفي نفس الوقت بعض الشباب ينتهجون مسلكاً لا يؤدي إلى تحصيل العلم مثل: الاعتماد على الكتيبات، تجد أن هذا الشاب ما عنده إلا الكتيبات، والكثير من الكتيبات الحديثة خالية ليس فيها شيء، تتصفح من أول كتاب لآخره لا تخرج إلا بمجموعة من العناوين، وإذا كان العلماء من قبلنا قالوا: مؤلفات الأولين قليلةٌ كثيرة البركة، ومؤلفات المتأخرين كثيرة قليلة البركة، يعني: فماذا نقول اليوم أمام هذا الغثاء الذي تدفع به المطابع يومياً، والناس الذين عندهم إسهال فكري، والكتب التي يخرجونها كل حين مكررة معادة وأشياء عامة، وأشياء ليس فيها أصول، المفروض أن يقرأ الإنسان عن أصول أهل السنة والجماعة، أما أنه يقرأ قصص وأشياء متفرقة وطرائف وبعض الكتب هكذا، طرائف من هنا ونوادر من هنا وقصص من هنا، لكن لا يوجد فيها علم، ولذلك ترى بعض الناس يقرءون المختصرات ويحرصون عليها، بدلاً من أن يقرأ مثلاً تفسير ابن كثير يأخذ المختصر، أو في القرآن معاني المفردات معاني المفردات هذه الكلمة معناها كذا ومعناها كذا ومعناها وما يستفاد ويأتي بهذه الكتب.

فأقول: على الشخص أن يحرص على الأصول، إذا كان يستطيع أن يفهم يقرأ في الأصول يعني: أمهات الكتب، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، ربما أقول: أهل العلم قلة، مشغولون، وأين أجدهم؟ وهذا صحيح لكن أنتم الآن في هذا المكان حباكم الله بنعمة وهي وجود عدد من أهل العلم قد لا يوجدون في منطقة أخرى، وشكر النعمة يقتضي أنك تستفيد منهم، وأنك لا تضيع هذه النعمة، لأن هناك إخواناً لك في مناطق أخرى ليس عندهم شيء اسمه مشايخ ولا شيء اسمه أهل العلم، كل الذي يعتمدون عليه بعض الكتب وعلى ما يؤتيهم الله من فهم في أشياء واتصال من بعيد قد لا يتوفر، فإذاً هذه من علامات الساعة، فإذاً اهتم يا أخي بالعلماء الموجودين عندك في المنطقة التي أنت فيها، وتسأل لو بالهاتف، وتسمع دروس المشايخ، لأن الدروس كأنك موجود، ولو صار عليك إشكال في شيء اتصل بالهاتف، طبعاً الهمة مهمة لأن الذي ليس عنده مهمة ستهبط عزيمته ويقلع عن كل شيء، وأنا لا أرى أن الوقت متسع لأن نبسط هذه القضية، ويمكن أن ترجعوا إلى من هم أقدر مني على توضيح كيفية طلب العلم وما هو المنهج الذي يبدأ به المتعلم ويسير عليه، والله أعلم.