هذا الرجل ليس له مكانة في قلوب الخلق أبداً، مستضعف لا يؤبه له، ما هو الدليل؟: (إن استأذن لم يؤذن له) فهو عند الناس ليس له جاه ولا شرف، حتى لو جاء يستأذن على أهل سلطةٍ لم يأذنوا له، لأنه ليس له مرتبة، ولا صاحب جاه، ولا صاحب مال، ولا صاحب حسب، ولا صاحب منزلة ومكانة دنيوية، ولذلك لو استأذن عليهم لم يأذنوا له، وبالإضافة إلى ذلك، هو إنسان يحب أن يسير في حاجات الخلق، ويشفع لهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في صفات هذا الرجل:(وإن شفع لم يشفع) فهو إنسان محب للخير، محب لأداء الخدمات للآخرين، ما هي الشفاعة؟ التوسط للغير لجلب منفعةٍ أو دفع مضرة، هذه هي الشفاعة، فهو إن شفع لم يشفع، إذا طلب الدخول لم يؤذن له، وإذا طلب أن يتوسط لأحد لم يقبل كلامه؛ لأن الناس لا يرونه أهلاً للشفاعة، ولا أهلاً للتوسط، ولذلك لو جاء يتوسط لأحد ردوه، فالرجل هذا المدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، وليس مهماً عنده أن يكون وجيهاً عند الناس بل المهم أن يكون وجيهاً عند الله، كما قال الله تعالى عن موسى عليه السلام:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}[الأحزاب:٦٩].
فليس المهم أن يكون الإنسان صاحب وجاهة عند الناس، المهم أن يكون عند الله وجيهاً، ولو أن الناس ما قبلوا شفاعته ولا أذنوا له، فإن هناك من يقبل وربما هذا الرجل يوم القيامة يخرج من النار آلافاً مؤلفة، فقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن رجل من هذه الأمة يخرج بشفاعته من النار مثل بني تميم، بنو تميم ملايين، واحد من هذه الأمة يخرج من النار بشفاعته عند الله، يشفع عند الله، يقول: يا رب! إخواني الموحدين في النار -هؤلاء عصاة فسقة، لكنهم موحدون وأصحاب صلاة- تجاوز عنهم، اقبل شفاعتي فيهم، فيخرجون من النار بشفاعة هذا الرجل.
قال الشراح أو بعض الشراح: هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، المهم أن هذا الرجل الذي لا يشفع وما تقبل شفاعته في الدنيا، يمكن أن يشفع لآلاف مؤلفة عند الله يوم القيامة، لأنه وجيه عند الله، فالله يقبل شفاعته، ويسمح له أن يخرج من النار على يديه أناساً من الموحدين استحقوا العذاب.
(رب أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) وهذا المقطع من الحديث يدل على مسألة ترك حب الرئاسة والشهرة، وحب الرئاسة والشهرة مسألةٌ ابتلي بها كثيرٌ من الناس، التطلع للمناصب، الظهور أمام العدسات، وفي الأضواء وفي المقدمة، ولابد أن يكون اسمه مكتوباً بالخط العريض، وإلا سخط، ولذلك كانت الشهرة وكان عالم الأضواء مهلكة؛ لأنه يذبح الإخلاص ويوقع في الرياء؛ لأن الإنسان يصبح هدفه الخلق والمكانة والذكر عندهم، وأن الخلق يثنون عليه، ويذكرون سيرته، ويكرمونه ويعظمونه، ويدعونه.
إذاً: هذا الرجل الذي في الحديث، ونسأل الله أن نكون من النوع هذا من البشر، هذا رجل عنده خمول ذكرٍ لا يريد الأضواء ولا الشهرة أبداً، وهو إنسان متواضع، تارك للرئاسة والشهرة، وهذا الإنسان ليس إنساناً يدفعه إهمال الناس له إلى إهمال المهمة التي وكل بها، لا.
فلا يقول: الناس أهملوني ودفعوني بالأبواب، وما أذنوا لي ولا قبلوا شفاعتي، فلن أعمل لهم شيئاً، لا، إنه قائمٌ بالمهمات، رغم أن الناس لا يرغبونه، هذه العظمة في هذا الرجل، أنه قائم بالمهمات رغم أن الناس لا يرغبون له، ومع ذلك قائم بالمهمات.