لا بد أن تكون حركة متكاملة تحقق فيها جميع جوانب التربية، فمن الخطأ أن يحصل الاهتمام فقط بالعقيدة مثلاً، أو بالأخلاق فقط، أو بالتخطيط والدعوة إلى الله، أو الاهتمام بالواقع، وجمع المعلومات عنه، أو الفقه وأحكامه، أو الحديث وعلومه، أو بالأشياء القلبية فقط، وإنما يجب أن يُجمع بين جميع تلك الأمور في تربية الفرد، لأن منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية كان منهاجاً متكاملاً، ما كان يهتم فقط بأمور الأسماء والصفات، والأشياء المتعلقة بتفاصيل العقيدة، ما كان يهتم فقط بالأخلاق، ما كان يهتم فقط بأعمال القلوب، ما كان يهتم فقط بالعلم الشرعي، بل كان يهتم بجميع الأمور، ويجب أن نهتم بالإيمانيات بصورة خاصة، لأنها تصحح المسار، وتوضح الهدف، وتأمن الإخلاص اللازم للوصول إلى نصر الله عز وجل، ويجب الاهتمام بالإيمانيات حتى نقطع الطريق على ضعاف النفوس، وضعاف المعرفة الذين يقولون: لم نجد التربية الإيمانية وتزكية النفوس إلا عند الصوفية.
فتجد بعض الناس يقول: والله ما هناك إلا الصوفية، تريد أن تجدد إيمانك فعليك أن تسلك طريقاً من طرق الصوفية، تراهم أناساً خاشعين يُعلمون ويعلمون.
ولو طبقنا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم لاستغنينا عن هذه الترهات كلها، لماذا يوجد أوساط تفوق ما عند الصوفية من بعض الأشياء من اشتهارهم بالزهد، أو بالعبادة مع ما فيها طبعاً من الدغل والدخن والغش.
ولذلك تجد الخلط عندما يقال: إن المفكر الإسلامي الفلاني أو الداعية الإسلامي الفلاني بلغ أوجاً عظيماً في شخصيته، وساعده على ذلك شفافية إيمانيه؛ لأنه قد ترعرع وتربى في أحضان الطريقة الصوفية الفلانية.
فارتباط قضية تقوية الإيمان وعلاج ضعف الإيمان بقضية الصوفية عند الناس ارتباط خاطئ يجب أن يُعالج بإيجاد الأوساط التي تهتم بالقلوب وتهتم بالأمور الإيمانية، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم الناس حرصاً على قضايا الإيمان، ولكنه ما كان من المتصوفة، وحتى من علماء المسلمين الذين أتوا بعده، فهذا ابن الجوزي من أعداء الصوفية ومع ذلك تجده مجيداً في الوعظ جداً، وربما حضر مجلس الوعظ عنده سبعون ألفاً، وتاب على يديه كثيرون.
وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كان مجتمعه مجتمعاً إيمانياً حقاً وحقيقةً، فكان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل في ساعات الخوف، ويأخذ بالأسباب، وقد أرسل رجلاً من الصحابة في إحدى الغزوات وكان وقت خوف، فكان يُصلي الليل وينظر إلى الشعب، ليرى من يأتي منه، وهذا الصحابي الذي يحرس المسلمين في إحدى الغزوات يقوم الليل، ويرميه العدو بسهم، ويُكمل صلاته، وبيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع لها دويٌ كدوي النحل بالليل من قراءة القرآن:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب:٣٤].