للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منزلة العلماء عند ربهم]

الحمد لله العالم ما في السماوات وما في الأرض، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم، وقال له في محكم التنزيل: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:١١٣]، وأمر الله نبيه بالاستزادة من شيء واحد لم يأمره بالاستزادة من غيره، فقال جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:١١٤].

الحمد لله الذي جعل في كل زمانٍ بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله الموتى، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والردى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن آثارهم على الناس، وما أقبح آثار الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

ولما قال الله جل وعلا في الكتاب العزيز: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء:٥٩] قال علماؤنا في التفسير: المراد بأولي الأمر: بها العلماء العاملون، الذين يعلمون الوحي ويعملون به ويعلمونه للناس، وأشهد الله العلماء على أعظم حقيقة في هذا الكون، وفضَّلهم بالشهادة عليها على الملائكة، فقال الله جل وعلا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:١٨] هذه أعظم حقيقة أيها الإخوة، من أشهد الله عليها؟ أولو العلم، ونفى الله المساواة بين العلماء والجهال، فقال جل وعلا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩].