أيها المسلمون: إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار فيه هذه الأمور المحرمة، ولذلك جاء بأمور وتوجيهات فمنها قوله صلى الله عليه وسلم:(إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها) كانت البيوت ضيقة، غرفة للرجل وزوجته، غرفة وحجرة فليست كل البيوت كانت متسعة لا يجدون مكاناً واسعاً للجلوس إلا على حافة الطريق، قال:(فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر- فبدأ به أولاً- وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر).
إذاً: غض البصر لمن يكون في الطريق.
وكذلك جعل الله الاستئذان إجراءً احتياطياً وأمراً احترازياً من أجل عدم النظر إلى العورات، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر وذلك لأن الدور لم يكن عليها ستور وحتى لو كان لها أبواب فإن الباب إذا فتح فجأة قد يقع النظر على شيء من عورات أهل البيت، ولذلك يكون من طرف الباب الذي إذا فتح لم يقع النظر على شيء ولا يواجه الباب مباشرة.
فهو إجراء احترازي من أجل عدم وقوع البصر على الحرام.
أيها المسلمون: إن الاستئذان يكون حتى داخل البيوت، وقد علمنا الله في كتابه أن نؤدب أولادنا بألا نجعلهم يداهمون غرفة نوم الأبوين مداهمة وإنما لابد من الاستئذان في الأوقات التي يغلب فيها كشف العورة {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}[النور:٥٨]، وحتى المحارم في البيوت، الأم في حجرتها والأخت في غرفتها لابد من الاستئذان عليهن قبل الدخول، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخله عليه إلا بإذن.
وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟ فقال:[ما على كل أحيانها تريد أن تراها].
وكذلك سأل رجلٌ حذيفة أستأذن على أمي؟ فقال:[إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره].
ومن طريق ابن طلحة [دخلت مع أبي على أمي فدخل فاتبعته فدفع في صدري، وقال: تدخل من غير إذن!].
ومن طريق عطاء سألت ابن عباس [أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟] وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة.
فحتى المحارم في البيوت وفي غرف النوم كل ذلك من أجل ألا يقع البصر على شيء لا يجوز أن يقع عليه، وألا تكون اللقطات والمناظر محفوظة في الأذهان، وإنما ينشأ الأطفال منذ نعومة أظفارهم على النظافة والسلامة وليس على الصور العريانة.