للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ملازمة ابن القيم لابن تيمية وتأثره به]

وأما تأثره بـ ابن تيمية رحمه الله فكان تأثراً شديداً جداً، فإنه التقى به سنة (٧١٢هـ) للهجرة، ولازمه إلى سنة (٧٢٨هـ)، إلى أن توفي رحمه الله تعالى، وهو الذي كانت هدايته على يديه، ويصف توبته على يد شيخه بقوله:

يا قوم والله العظيم نصيحتي من مشفق وأخ لكم معوان

جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران

مثل علم المنطق والكلام والفلسفة وغير ذلك

حتى أتاح لي الإله بفضله ومن ليس تجزيه يدي ولساني

فتى أتى من أرض حران فيا أهلاً بمن قد جاء من حران

فالله يجزيه الذي هو أهله من جنة المأوى مع الرضوان

أخذت يداه يدي وسار فلم يرم حتى أراني مطلع الإيمان

ورأيت أعلام المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن

ورأيت آثاراً عظيماً شأنها محجوبة عن زمرة العميان

ووردت كأس الماء أبيض صافياً حصباؤه كلآلئ التيجان

ورأيت أكواباً هناك كثيرة مثل النجوم لوارد الظمآن

يصف السنة التي قاده إليها شيخه بالحوض الذي فيه أكواب يغرف منها ويشرب

ورأيت حول الكوثر الصافي الذي لا زال يشخب فيه ميزابان

مثل الميزابين في الآخرة التي تصب في نهر الكوثر، ميزابان في حوض السنة، أو ميزابان في حوض الحق يصبان فيه

ميزاب سنته وقول إلهه وهما مدى الأيام لا ينيان

الكتاب والسنة

والناس لا يردونه إلا من الـ ألف أفراد ذوو إيمان

وردوا عذاب مناهل أكرم بها ووردتم أنتم على عذاب هوان

هذه الهداية التي كُتبت لـ ابن القيم -رحمه الله- على يدي شيخه الذي لازمه، وأخذ عنه العلم والفقه والطريقة السُنْية السَّنية، وكان يشكو إلى شيخه وينصحه شيخه بأشياء، كما قال مرة: جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد، فقال: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشرب قلبك كل شبهة تمر عليك، صار مقاماً للشبهات، قال: فانتفعت بوصيته في دفع الشبهات انتفاعاً عظيماً.

وقال: قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مرة: "العوارض والمحن والابتلاءات هي كالأمراض والبرد، فإذا علم العبد أنه لا بد منها، لم يغضب لورودها، ولم يغتم ولم يحزن".

وكان شيخ الإسلام يتابع تلميذه في حفظه للوقت والابتعاد عن الملهيات، فقد قال: "قال لي يوماً شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: المباح ينافي المراتب العليا، وإن لم يكن تركه شرطاً للنجاة -أو نحو هذا الكلام- قال: فالعارف يترك كثيراً من المباح ابقاءً على صيانته، ولا سيما إذا كان المباح برزخاً بين الحلال والحرام".

أي: من قسم المشتبهات.