إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها المسلمون: لقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمٍ كثيرةٍ لا تحصى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[النحل:١٨] والله يعلم أن حياة المجتمع لا تقوم إلا بالأسر التي تتكون على طاعة الله وتنشأ كما أمر الله، فامتنَّ الله علينا بمقومات الأسرة، وأنشأها لنا وجعلها قائمة، وأمرنا بسياستها حسب الشريعة، وقال الله سبحانه:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:٢١].
انظر كيف يجعل الله الأسرة قائمة، وكيف يُكون الله الأسرة بأن جعل للرجال من أنفسهم أزواجاً، كما خلق حواء من ضلع آدم:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: ٢١] هذا هو السكن النفسي، ولكن الأسرة تحتاج إلى سكنٍ ماديٍ كذلك، فقال الله عز وجل:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً}[النحل:٨٠] هذه نعمة الزوجة: السكن النفسي.
ثم أعطانا البيوت: السكن الجسدي والمادي، فأنشئت الأسر وقامت.
ثم أمرنا الله أن نسوس الأسر بالشريعة، وجعل لنا في شرائعه وأحكامه ما يسعد الأسرة، ويسبب تماسكها وقيامها على المبنى الشرعي الذي أراده الله؛ ليكون المجتمع في النهاية مجتمعاً صالحاً مجاهداً في سبيل الله، فيعم الإسلام في الأرض، ولما ضيعنا الأسر، فسدت المجتمعات فتخلف المسلمون، ولما فقدنا مقومات الأسرة المسلمة؛ عمَّ الشقاء والنكد؛ وأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق.