[أهمية الاستغفار]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وخير خلقه ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
أيها الإخوة: درسنا بعنوان" أنوار الاستغفار" وهذه العبادة العظيمة في غاية الأهمية، ويجدر بكل مسلم أن يتعرف عليها، وعلى أهميتها، وعلى كيفيتها، وعلى مناسباتها، وعلى أجرها وثوابها، وعلى ما قال العلماء فيها، وعلى علاقتها بالتوحيد.
أما الاستغفار فإنه طلب المغفرة بالمقال والفعال، وسؤال المغفرة التي هي في الأصل الستر، فغفر أي: ستر.
والمراد بها عندما يطلبها العبد من ربه التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة به، وستره وعدم العقوبة عليه، وعدم الفضيحة به، وعدم التوبيخ.
إن الاستغفار عبادة جليلة مرتبطة أشد الارتباط بالتوحيد، وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار، فتارة بصيغة الأمر به كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٩٩] وقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:٣] وتارةً بمدح أهله كقوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:١٧] وقوله: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٨] وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥] وتارةً يذكر أنه يغفر لمن استغفره كقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:١١٠].
وكثيراً ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار طلب المغفرة باللسان، والتوبة هي الإقلاع عن الذنوب بالقلب والجوارح، وتارةً يفرد الاستغفار ويرتب عليه المغفرة كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك) فهذا الاستغفار الذي وعد الله به من استغفره ولم يصر على المعصية، وعندما يقول العبد: اللهم اغفر لي، فإنه يطلب من الله المغفرة، ويدعو بها، ولا سيما إذا صادف قلباً منكسراً، وساعة إجابة، واعترافاً من العبد، فإنه حريٌ أن يجاب صاحبه.
قال الحسن رحمه الله: [أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم وأسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة].
وقال بعض الصالحين لولده موصياً: "يا بني عود لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن عبداً أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت ذنباً، فاغفر لي، فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً آخر، فاستغفر، وقال مثلما قال في الأولى، فقال الله سبحانه وتعالى: قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء) لأنه كلما عمل معصية، استغفر منها استغفاراً صحيحاً، وتاب بشروط التوبة الصحيحة، ولذلك فإن الاستغفار المقرون بعدم الإصرار يقبله الله سبحانه وتعالى، وما أصر من استغفر، وأما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وربما يكون الإصرار مانعاً من الإجابة، ولذلك قال بعض السلف: إن المستغفر من الذنب وهو مقيمٌ مصرٌ عليه كالمستهزئ بربه.
فما معنى أن يستغفر بلسانه وهو مقيم بحاله على الذنب؟!! فالاستغفار التام ينبغي ألا يرافقه إصرار على المعصية، حينئذٍ تكون توبةً نصوحاً، وحينئذٍ يكون المستغفر مقلعاً عن الذنب، أما من قال: اللهم اغفر لي وهو مقيم على المعصية، فإنها تسمى توبة الكاذبين، لأن التوبة الصحيحة لا تكون مع الإصرار، فإذا قال العبد أستغفر الله وأتوب إليه، فله حالتان: أن يكون مصراً بقلبه على ذنبه، فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليك، لأنه غير تائب، لأن كلمة (أتوب) تقتضي الإقلاع، وهذا غير مقلع وليس بتائب.
وكذلك من يعاهد ربه على الإقلاع عن المعصية، ثم هو يصر عليها، أما من أقلع فإنه حريٌ أن يقبل الله توبته.
وقد استحب جماعة من السلف أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها كما روى أحمد والبخاري ومسلم أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، قالت: فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده، فقال: أخبرني ربي أني سأرى علامةً في أمتي، فإذا رأيتها، أكثرت من قول سبحان الله وبحمده؛ أستغفر الله وأتوب إليه، وقد رأيتها، وتلا قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا * {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:١ - ٣]).