للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرع الله لعباده من اللذات ما فيه صلاحهم]

اللذة مطلب عظيم أساسي، فالناس لا يمكن أن يعيشوا بدونه، والله سبحانه وتعالى قد شرع لنا من اللذات ما فيه صلاحنا في الدنيا، فلذلك أحل لنا الطيبات من الطعام والشراب، وأحل لنا النكاح، فله الحمد سبحانه وتعالى، وحياتنا لا تستقيم بدون هذه اللذات.

وجعل في الآخرة اللذة التامة والكاملة، وكانت لذات الدنيا منقوصة، فالطعام قد تلتذ به عند الأكل ثم يحصل لك إمساك أو يحصل لك إسهال، وكذلك النكاح إذا أفرطت فيه أو إذا امتنعت عنه، فالمهم أن لذات الدنيا ممكن أن تسبب مشكلات، ثم لها حد ونهاية، ثم بعد ذلك تعافها حتى تتجدد مرة أخرى.

أما لذات الآخرة فهي لذات تامة كاملة متجددة، فتصور أن لذات الآخرة لا تشبع منها، مثلاً تأكل لتشبع ثم تعاف نفسك، أما طعام الجنة؟ فتأكل وتشرب فيخرج رشحاً له رائحة المسك، ثم تأكل وتشرب وتخرج رائحة، وهكذا، والنكاح كذلك، النكاح في الدنيا إذا زاد منه أضعف وأنهك وتحللت قواه، أما في الآخرة فليس هناك فتور ولا ضعف، وليس هناك تعب منه إطلاقاً.

ثم بالإضافة إلى ذلك فإن لذات الجنة زائدة متجددة باستمرار: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:١٧] فلذات الجنة متجددة، يأكل ثمرة ثم يأكل ثمرة فيجدها أطيب مما قبل، ثم يأكل ثمرة فيجدها أطيب من التي قبلها وهكذا، وأهل الجنة يذهبون إلى سوق الجمعة فيرجعون إلى أهاليهم فيقلن لهم: ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً.

فلاحظ أن لذات الجنة في تطور مستمر، ما في نهاية عظمى وبعد ذلك ينزل، بل تستمر في التطور، ولذات الجنة مستمرة، وأعظم لذة فيها على الإطلاق وهي اللذة التي تنسي جميع اللذات: النظر إلى وجه الله عز وجل، فإنهم إذا رأوه شعروا بلذة غامرة عظيمة لا يوجد أعظم منها إطلاقاً، فينسون لذات الجنة الأخرى بجانب هذه اللذة، وهي تتجدد عليهم، ينظرون إلى وجه ربهم بين حين وآخر، فتتجدد عليهم هذه اللذة.

فإذن لا شك أن الأشياء التي تحب النفس تحصيلها فيها لذة وفي فراقها ألم، وكذلك المكروهات فراقها والمعافاة منها فيه لذة، والوقوع فيها إذا حلت فيه ألم.