ثم ننتقل أيتها الأخوات إلى قصة أخرى من القصص، وهي قصة ملكة كانت كافرة وكان عقلها راجحاً، فملَّكها قومها عليهم حتى صارت تحكم الرجال، فأرسل لها سليمان عليه السلام يدعوها إلى الله عز وجل، فاستشارت قومها:{أَفْتُونِي فِي أَمْرِي}[النمل:٣٢] المرأة العاقلة لا تقطع أمراً بمفردها وإنما تحاول أن تستشير، تستفتي من حولها من أوليائها من أهلها من أقربائها من أهل العقل الراجح، خصوصاً عندما تقدم على أمرٍ مهم، فأشاروا عليها بأمرٍ لكن خالفتهم لما رأت أن ما يأمرونها به من استعمال القوة ليس راجحاً.
وقد جعل الله لسليمان عليه السلام من القوة وأسبابها ما أتى بعرشها من بلدها حتى وصل إلى قصره فأدخل حتى رأته، {قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}[النمل:٤٢] قال المفسرون: هذا يدل على كمال عقلها، فهي لم تنفي، قالت: ليس هو، لأنه يشبهه حقيقة، ولم تقل: إنه هو لأنه متغير، فدل كمال عقلها على أن قالت: كأنه هو، والحقيقة أن هذه المرأة يقول الله:{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}[النمل:٤٣].
كثير من النساء الآن يعشن في بيوت وفي مجتمعات وعندهن عقل راجح، ونفس طيبة وفطرة، لكن طمست أنوار هذه الفطرة بالبيئة السيئة التي يعشن فيها، هناك نساء يعشن فيما يشبه القصور يعشن في أنواع من الترف، وأنواع من النعيم، وأنواع من المعاصي والمنكرات الكثيرة، هذه المعاصي والمنكرات الأب السيئ والأخ الفاجر والبيت الفاسد، هذه العوامل تكون عقبة، تكون حجر عثرة أمام هداية المرأة إلى الطريق الصحيح، لذلك يقول الله:{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}[النمل:٤٣] لماذا لم تهتدِ هذه المرأة في البداية؟ لماذا كانت تسجد للشمس كما أخبر الهدهد سليمان؟ بسبب وجودها في مجتمع كافر فاجر، لذلك أيها الأخوات ينبغي أن تعيش المرأة في واقعٍ طيب في مجتمع طيب، ينبغي أن يكون بيتها طيباً، البيت الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، لذلك كيف نتوقع أن تكون هناك نساء ملتزمات في بيوت فاسدة؟! لكن عندما تنتشر الدعوة، تتحول البيوت شيئاً فشيئاً.
إنني أقول: إن كثيراً من النساء -ولله الحمد- كن سبب هداية أزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن أو أمهاتهن وكثيرٌ من أقربائهن، وكم من امرأة كانت سبباً للخير والبركة في بيتها.
الشاهد من الكلام: أن النساء يجب أن يوفر لهن الأجواء الطيبة، وهذا كلام يهمس في آذان الداعيات إلى الله، ينبغي أن يفهم لماذا لا يلتزمن النساء بالإسلام؟ ما هي العوامل التي تصد المرأة عن التمسك بالحجاب؟ لماذا المرأة المسلمة عندما يقدم لها شريط إسلامي قد لا تسمعه؟ لماذا عندما يقدم لها كتاب إسلامي تقول من قدمته لها: اتركيه عندكِ وفريه لنفسك؟ لماذا يقال هذا الكلام؟ بسبب معيشة المرأة في وسط فاسد وبيئة سيئة المعاصي من كل جانب، كيف ستهتدي؟! ولذلك هذه تصد.
قال تعالى:{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}[النمل:٤٣] لكن عندما يكون العقل وافراً، ماذا يحصل؟ إنها تهتدي إلى الحق عندما يعرض عليها، ولذلك سليمان عليه السلام لما وضع لها هذا الصرح من الزجاج الممرد من القوارير، وشيده له، وأمرها أن تدخل {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}[النمل:٤٤] ماء لُجَّةً، (({وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرًَ}[النمل:٤٤] قيل: إنه أراد أن يخطبها فنظر إليها بهذه الحيلة، ولكن الله أعلم بما كان، وهذه من قصص السابقين، ونحن لنا شرعنا الذي نعمل به.
ماذا حصل عندما كانت المرأة ذات عقل؟ قال الله -اعترفت-: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل:٤٤] لذلك أقول لكن أيتها الأخوات: من كانت منكن عندها عقل راجح فلا بد أن يهديها الله إذا استعملت عقلها للوصول إلى الحق ولو كانت في منبت سوء، أو بيئة فاسدة، أو في وسط مظلم، إذا استعملت وحكمت عقلها، والعقل في القلب:{لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}[الحج:٤٦] فإذا عقلت عن الله مراده، فإنها ستنتشل من هذا الوسط لتدخل في بيئة السعداء.