قال:(فانتهينا إلى مدينةٍ مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) ولاشك أن هذه صفة الجنة، وأنهما أدخلا النبي صلى الله عليه وسلم داراً فيها شيوخ وشباب ونساء وفتيان، وأنه عليه الصلاة والسلام لقي رجالاً شطر من خلقهم حسن وشطر قبيح.
الآن هل نصف هؤلاء الناس حسن ونصفهم قبيح؟ أو أن كل واحد من هذه المجموعة نصفه حسن ونصفه الآخر قبيح؟ اللفظ يحتمل كلا الأمرين، لكن أحدهما يرجحه باقي النص، فما هو الراجح؟ كل شخص نصفه قبيح ونصفه حسن، والذي يدل على هذا التأويل هو أنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فكان الجزاء من جنس العمل، لما خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، صار نصفهم قبيحاً ونصفهم حسناً.
فقيل لهم: قعوا في النهر المعترض، الذي يجري بالعرض، كأن ماءه المحض -مثل اللبن الخالص- في البياض، وقيل: يحتمل أن يُراد به الماء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(واغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد) فهذا مُنقي ومطهر ومنظف، فيذهب السوء عنهم، ويصبح القبيح كالشطر الحسن، وهذا يدل على عظم رحمة الله، وأن رحمته سبقت غضبه.
فأهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم مصيرهم في النهاية إلى الجنة؛ لأن رحمة الله تسبق غضبه، لكن هذا الوقوف بين الجنة والنار مفزع بحد ذاته، لا يدري الإنسان إلى أين يتجه به، لذلك قال الله عز وجل:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران:١٨٥].