رجل العقيدة لا يعتدي على نصوص القرآن والسنة، ولا يُغير عليها بسهام التأويل والرد والتفنيد ويُحكم عقله فيها، بل إنه يستسلم لها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهذلي -أحد الذين غرموا في الدية-: يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يُطل؟!).
هذا الرجل لما علم أنه سيدفع دية الجنين اعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: كيف تريدوني أن أدفع دية جنين؛ والجنين لا أكل، ولا شرب، ولا نطق ولا صرخ ولا استهل؟! فمثل هذا الكلام يسقط عني لا شأن لي به.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام قال عبارة نقضت كلام الرجل من أصله، وبينت عيبه وزيفه، فقال:(إنما هذا من إخوان الكهان).
هذا الرجل من إخوان الكهان، هذا المنطق تقديم العقل على النقل والاعتراض على نصوص الشريعة؛ لأنها لا توافق عقل الشخص من الكهانة (إنما هذا من إخوان الكهان).
وبعض نصوص العقيدة يكذبها بعض الناس؛ لأنها لا توافق عقولهم، فمثلاً: لما سئل الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله لما روى حديث نزول الله عزوجل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، سأله إنسان في المجلس، قال: كيف ينزل؟ فأجاب عبد الله بن المبارك:"ينزل كيف يشاء سبحانه وتعالى".
وفي رواية:"إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له".
كان هارون الرشيد رحمه الله مرة من المرات في مجلس، وكان يحدثه بالأحاديث رجل من الصالحين يسمى أبو معاوية الضرير، فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم:(احتج آدم وموسى) إلى آخر الحديث، فقال عيسى بن جعفر -أحد الحاضرين-: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟!! -أي: من القرون- ما هو خطأ الرجل؟ أنه قدم عقله على النص، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(احتج آدم وموسى) وهذا يقول: كيف التقوا؟ وأين التقوا وبينهما سنين طويلة؟ هذه جريمة يا إخوان!! هذا العقل المحصور الضيق نحكمه في النصوص الشرعية وننفي النصوص، فوثب هارون الرشيد رحمه الله تعالى، وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟! وفي رواية: أن هارون الرشيد رحمه الله -وكان شديداً على المبتدعة- قال: النطع -السيف- زنديق يطعن في الحديث.
فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: بادرة منه يا أمير المؤمنين! بادرة منه يا أمير المؤمنين! حتى سكت.
وفي رواية: أنه حبسه ولم يُطلقه حتى حلف بالأيمان المغلظة أنه ما سمعه من أحد؛ أي: ما تلقى الشبهة هذه من أحد.