والقلب من أعماله اليقظة: قلب المسلم لابد أن يكون متيقظاً، لا سهو ولا غفلة، فإذا سها وغفل ذكر الله قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:٢٠١] انظروا إلى هذه الآيات: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[يونس:٢٢ - ٢٣].
هذه هي المشكلة الآن عندنا، مشكلة الناس الذين نجوا ومع ذلك فهم مصرون على الباطل، مصرون على المعاصي، مصرون على الفواحش، مصرون على الخمور، مصرون على الربا، مصرون على ترك الصلوات، أي: المشكلة أن الناس لا يتعظون من أول ضربة، وهذه شبه قاعدة، أن الناس ما يتعظون من أول ضربة، بل لا بد أن تأتي أولى وثانية وثالثة ورابعة، ومع كل ضربة يستيقظ أناس، ومع كل محنة يستيقظ أناس، ومع كل شدة يستيقظ آخرون وهكذا لا تستيقظ الشعوب من أول محنة.
ولذلك تجد الناس يدخلون في المحنة وتقع عليهم شدة ومع ذلك يخرجون كأن شيئاً لم يقع، فما زالوا منغمسين في المعاصي والأوحال، نقلوا فسادهم من مكان إلى آخر.
لكن لا يخلو الأمر من أناس اتعظوا، ثم بعد ذلك تأتي محنةٌ أخرى وثالثة ورابعة حتى يستيقظ الناس، والله عز وجل جرت سنته هكذا:{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[يونس:٢٣].
هذه قصة سمعتها عن امرأةٍ بواسطة، تقول: هي امرأة من بلدٍ أصابها الله بالدمار والحروب، ولم تزل الحروب فيها قائمة -في لبنان - تقول بصراحة: نحن كنا نخرج ونغني ونرقص، فإذا جاءت غارة جوية وقصفتنا -مثلاً- دخلنا في الملجأ تحت الأرض، فإذا انتهى القصف والغارة طلعنا وكملنا الأغنية والرقصة.
إيه والله هذا شيء مدهش! نرقص ونغني! وبعد أن تنتهي الغارة نطلع نكمل الرقص والأغنية! معناها: يوجد أناس مهما أصابهم لن يتعظوا.
يا أخي! واحد قلبه ميت، ماذا ترجو من ورائه، نريد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا لعل الله عز وجل أن يهدي أُناساً؛ لأنه لن يخلو الناس من منتصحين وأناسٍ يقبلون الكلام:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥] فلنقم بواجب التذكير، ثم من اهتدى فلنفسه ومن أساء فعليها.