وقد تتحول -وهذه من الممارسات الخاطئة في قضية الأخوة- الأخوة في الله إلى شكلٍ آخر من الأشكال التي لا ترضي الله عز وجل، فقد يحصل الغلو في باب الأخوة لدرجة أنها تخرج عن مفهومها الإسلامي الصحيح، وتتحول من أخوةٍ في الله إلى لونٍ من ألوان التعلق القلبي بالمخلوقين وصورهم، فتجد بدلاً من العلاقة الأخوية القائمة على التناصح والاستفادة تنقلب هذه العلاقة إلى علاقة تعلق وتجاذب بين المتجالسين أو المتآخيين، تخرج بها عن حدها الشرعي وتوقع الإنسان في مهاوٍ كثيرة، فتفسد عليه قلبه، فأحياناً يتعلق شخصٍ بشخص آخر تعلقاً مذموماً، لدرجة أنه قد يفكر فيه في الصلاة، فهو في الصلاة لا يدري متى تنتهي الصلاة حتى يذهب يقابل هذا الرجل؛ لأنه تعلق به تعلقاً قلبياً، تعلق بشخصيته وما تعلق بعمله الصالح ولا بمنهجه وطريقته وعلمه، ولا تعلق به كقدوة، ولكن تعلق به كصورة وشكل، أو كظرافة وخفة دم مثلاً، فهنا تنقلب القضية من أخوة في الله إلى أشياء أخرى خطيرة، فتأخذ الأمور مجرىً آخر، ويصبح قلب الإنسان متعلقاً بشخصية هذا الرجل، فدائماً يطرأ على باله فيتذكره ويتعلق قلبه به، ويشتغل قلبه عن حب الله عز وجل بحب هذا الرجل محبة غير شرعية لا ترضي الله عز وجل، وينشغل قلبه عن الصلاة -مثلاً- وعن ذكر الله تعالى، ويكون همه هو الجلوس إلى هذا الرجل والاستئناس إليه، وقد يحدث هذا الأمر في نطاق النساء كثيراً؛ لأن النساء فيهم عاطفة بطبعهم، ولذلك تجد أشكالاً كثيرة من الانجذاب.
بعض الناس أحياناً يصل بهم الأمر لدرجة التعلق ولدرجة أنه لا يستطيع فراق الشخص الآخر مطلقاً، فإذا غاب لا يدري متى يرجع إليه، وإذا فقد صوته تجده أحياناً يتصل بالهاتف ليسمع صوته فقط ويكلمه أي كلام، ثم يقفل السماعة، وبعد قليل لأنه لا يقدر على مفارقة صوته يتصل مرة أخرى وما عنده كلام فيقفل التلفون، ثم مرة ثالثة وهكذا تأخذ القضية أشكالاً عجيبة وصوراً لا ترضي الله عز وجل.
فهذه القضايا من التعلق من أحسن من كتب في علاجها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، فإن السؤال الموجه إليه في هذا الكتاب، هو قضية التعلق، فأجاب عنه رحمه الله إجابة شافية وافية، وذكر أشياء كثيرة في النصف الثاني من الكتاب، فليراجعها من شاء، المهم أن نفرق بين الأخوة وبين التعلقات الشخصية، وألا يلبس التعلق الشخصي لبوس الأخوة في الله، ولا يلبس على المسلمين هذا الأمر، فتخرج القضية عن حدودها الشرعية.