الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي بلغنا هذا الشهر الكريم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا فيه من عباده الأخيار، وأن يعيننا فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته، ونسأله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه سميع قريب مجيب.
أيها الإخوة: في هذا الشهر الكريم فرصة عظيمة لمن قسا قلبه أن يرق، ولمن أعرض عن ربه أن يعود، ولمن أذنب أن يتوب، ولا شك أن مرققات القلوب من أعظم ما يتعبد به المسلم ربه في التعرض له؛ فإن الله تعالى لا ينجي يوم القيامة إلا من أتى بقلب سليم؛ سليم من الشبهة، وسليم من الشهوة، ولعلنا -إن شاء الله- في هذه الليالي الفاضلة نتعرض لأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نرقق بها قلوبنا، وننظفها مما علق بها من أوساخ الدنيا.
في هذه السلسلة من الأحاديث -أحاديث الرقائق- التي نستهلها بهذا الحديث العظيم الجليل الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة قال:(قال أناس: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك؛ يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها إلى أن قال: فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس لأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد -أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله- أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له: ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل) الحديث.
وهذا الحديث العظيم الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في مواضع، منها في باب قول الله تعالى:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[الإسراء:٧١]، عن الزهري في قوله تعالى:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[الإسراء:٧١].