[خطورة الاستهزاء بالدين]
لا بد أن يعلم المستهزئ بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم بخطورة استهزائه، ويبين له الحكم في هذا الاستهزاء، ولا بد أن يعلم المستهزأ به بالموقف الصحيح الذي يجب أن يقفه، وكيف وقف المسلمون من قبل أمام الاستهزاء الذي حصل بهم، كيف كان نوح عليه السلام يبني السفينة هو وأتباعه، وعندما كان يمر عليه أولئك الملأ فيسخرون منهم؛ كان نوحٌ يجيبهم بذلك الجواب القوي: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨].
وقد جرت سنة الله تعالى بأن يكون الاستهزاء والسخرية من صفات المبتعدين عن الإسلام وأعداء الإسلام، الذين يرفضون الخير لكل إنسانٍ يريد الحق، ويريد التمسك بالدين، ولذلك يقول الله عز وجل في سورة البقرة: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٢١٢] هذه طبيعتهم، وهذه صفاتهم، وأنا أعجب -أيها الإخوة- لأمرٍ من الأمور، في قضية الثوب مثلاً، أحد الناس المستهزئين يرى إنساناً لابساً ثوباً، جعل طوله كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول له مستهزئاً: أنت لابس (شانيل) مثل القميص النسائي الذي تلبسه النساء، أي: أنت تشبه النساء.
أما إذا ذهب هذا الرجل المستهزئ إلى بلدٍ جرت عادات الناس وتقاليدهم في تلك البلاد أن يجعلوا ثيابهم قصيرة، مثل إخواننا من أهل اليمن عاداتهم في لبسهم للثياب وفي لبس الإزار أن تكون قصيرة.
نفس هذا الرجل المستهزئ إذا رأى هذا الأخ وعادته في بلده كذا لا يستهزئ به، فإذا ذهب إلى اليمن وشاهد الناس لا يستهزئ بهم، يقول: هذه عادة الناس.
أما إذا جاء إلى الحكم الشرعي في الموضوع المستهزئ كحكم، وهو لا يستهزئ به كعادة وتقليد، فهذا من الأمور العجيبة ومن المفارقات التي تدل على مدى نجاح المستشرقين وأعداء الإسلام في غزوهم الفكري وفي إبعاد المسلمين عن التصورات، وسلخهم كليةً من تعليمات الدين.
وإذا جلست مع أحد هؤلاء المستهزئين فإنه يطرح عليك سؤالاً بطريقة الاستهزاء، فعندما تأتي -مثلاً- إلى الغناء أو الموسيقى إلخ يقول لك: ما حكم هذه المسألة؟ أو أن فيها قولان.
أي: استهزاء بهذا الحكم واستهزاء بما ستقوله له، هؤلاء الناس بيَّن الله عز وجل علاجهم في القرآن، وبيَّن مصيرهم، وثبتنا نحن المؤمنين -والحمد لله- بآياتٍ عظيمة في سورة المطففين: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:٢٩ - ٣٠] يغمزونهم ويلمزونهم ويشيرون إليهم بإشارات الاستهزاء والانتقاص والسخرية: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} ما اكتفوا بهذا الغمز {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:٣١] أي: منتشين، في حالة نشوة من هذه الجريمة التي ارتكبوها، مبسوطين؛ لأنهم استهزءوا بالمؤمنين، ولم يكتفوا بهذا بل إنهم: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:٣٢].
إذا راوا المستهزئين المؤمنين {قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:٣٢]، وا عجبي من قلب المفاهيم، كيف صار الهدى ضلالاً، مستهزئ يقول لمؤمن: إنك لضال، كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} هذا ضال، هذا متزمت، هذا رجعي، قُلبت المفهومات.
وأصبح المؤمنون يُلصق بهم ما يجب أن يُوصف به هؤلاء المبتعدين عن شرع الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} قال الله تعالى مبكتاً لهم، وراداً عليهم: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:٣٣] من الذي وكلكم على هؤلاء المؤمنين تحسبون عليهم، من الذي كلفكم بأن تكونوا أنتم الكتبة لما يفعلون: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} ما جعلنا هؤلاء الكفرة على المؤمنين يحصون أعمالهم ويُقيِّمون أعمالهم.
ثم ينتقل السياق إلى اليوم الآخر، والوقت الذي تدوم فيه الأشياء، وتدوم فيه الجنة والنار والعذاب والعقاب والنعيم كلها دائمة: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:٣٤] انظر إلى رحمة الله تعالى، وتسليته عن قلوب المؤمنين وعن نفوسهم، كيف أنه يوم القيامة عكس الوضع الذي كان في الدنيا على أولئك المستهزئين: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:٣٤ - ٣٦].