لقد صدّر رسالته هذه بقوله:(نشكر الله سبحانه على ما ألهمنا، ونسأله التوفيق للعمل بما علّمنا، فإنّ الخير لا يدرك إلا بتوفيقه ومعونته، ومن يضلل الله فلا هادي له من خليقته، وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين.
ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبك، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، وقيل: العلم والد والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية) الرواية هي: الأسانيد والمتون، والدراية هي: أن يدري بما يعلم ويفقهه.
(ورأس الفقه العمل بالعلم، فلا تأنس بالعمل ما دمتَ مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل).
هذه نظرية مهمة جداً، وهي قضية التوازن بين العلم والعمل، وتجد بعض الناس عندهم طاقة في العمل لكنه سيقع في البدعة والخطأ، وبعض الناس عنده طاقة في جمع العلم، وليس عنده طاقة في العمل، فيكون علماً نظرياً لا ينفع صاحبه، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما دمت مقصراً في العمل (ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما، وما شيءٌ أضعف من عالمٍ ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهلٍ أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته) وهذا فعلاً من الأخطاء التي يقع فيها العامة.
ينظرون إلى واحد يجدون عنده اجتهاد وعبادة كبيرة فيستفتونه ويسألونه وينصبونه عالماً، وهو ليس بعالم إنما هو عابد، وربما يوجد عالم عنده علم لكن ليس عنده عبادة ولا زكاة للعلم، فالناس سيتركونه؛ لأن أخلاقه ليست أخلاق العلماء، وعبادته ليست عبادة العلماء، وعمله ليس عمل العلماء؛ فيتركونه، فتكون النتيجة ضلال الخلق.
والناس يريدون واقعاً عملياً يقتنعون به، فالسيرة والتصرفات، هي التي تقنع الناس.
قال:(والقليل مع هذا) أي: من العلم (مع القليل من هذا) من العمل (أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة، وتمم على عبده النعمة، فأما المدافعة والإهمال) لا علم ولا عمل (وحب الهوينة والاسترسال، وإيثار الخفض والدعة، والميل إلى الراحة والسعة، فإن خواتم هذه الخصال ذميمة، وعُقباها كريهةٌ وخيمة).
وكثير من شباب الصحوة ابتلوا في هذه الأيام بقضية الميل إلى الدعة والراحة، والكسل واللهو واللعب، فلم يعد في حياتهم نصيبٌ إلى الجد في طلب العلم، وليس عليهم إلا سيما الالتزام في الظاهر، من لحيةٍ، وتقصيرٍ ثوبٍ، ولكن في باطن الأمر لا تجد علماً جيداً، ولا عملاً مجتهداً فيه.