نظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة إلى قومٍ قد تلثموا من الغبار والشمس، وانحازوا إلى الظل، فبكى وقال:
من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
في قعر مظلمةٍ غبراء موحشةٍ يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا
تجهزي بجهازٍ تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
هانحن نمر في الجنائز ونمشي فيها ونحملها ولا تدمع العيون، ولا تتحرك القلوب، ولا ترى على الوجوه آثار الخشية من هذا المصير، والله إنها غفلة! وإلا فمن لا يعتبر بميت محمولٍ إلى حفرة ضيقة؟ قال الأعمش: كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين، ليس أهل الميت فقط هم الذين يبكون، كل الناس يبكون فيها، وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت.
وقال ثابت البناني: كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا باكياً! وقال إبراهيم النخعي: كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياماً.
وقال أسيد بن حضير: ما شهدت جنازة وحدثت نفسي بشيء سوى ما يفعل بالميت وما هو صائرٌ إليه.
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: كنا إذا حضرنا الجنازة أو سمعنا بميت عُرف فينا أياماً؛ لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمرٌ صيره إلى الجنة أو إلى النار، وإنكم في جنازتكم تتحدثون بأمور الدنيا.