هذا كله وصف لنفسية هذا الشخص وحالته، وكيف الآن يتردى من مستوى إلى آخر، قد يكون من تصرفاته العجيبة أن ييئس أصحابه الطيبين من عودته إلى طريق الاستقامة، كأن يدخن أمامهم عمداً، أو يتصل بواحدٍ منهم فيقول: حاول أن تنسى رقم هاتف منزلي، وقد تتطور الأمور أكثر، فيجد رفقة سيئة، يلتحق بمعسكر أهل الكفر والفسوق والعصيان، بالإضافة إلى أنهم يسعون أصلاً لضمه إليهم عداء لله ولرسوله ولدينه ولعباده الصالحين، وقديماً أيها الإخوة لما قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كعب بن مالك لأنه تخلف عن الجهاد واثنين من الصحابة، فلما عزل ذلك الشخص عن المجتمع المسلم ما الذي حصل؟ سبحان الله! إنك لتعجب وأنت تقرأ رواية كعب بن مالك كيف وصل الخبر إلى ملك الأنباط فأرسل رسولاً إلى المدينة يقول لـ كعب: إنا سمعنا أن صاحبك قد جفاك، وإن الله لم يجعلك بأرض هوان، فالحق بنا نواسك.
تستغرب عندما تعلم أنهم قوطعوا خمسين يوماً، قبل فترة جاءت الرسالة من ملك الأنباط إلى كعب بن مالك يقول: سمعنا أنه تغير وضعك وأن أصحابك قد جفوك، تعال عندنا ونحن سنكرمك، فانظر إلى مدى حرص أهل الجاهلية على التقاط هؤلاء الناس، وعلى استغلال وتحين الفرص، وكانت الرسالة تأخذ وقتاً للوصول، ولكن انظر إلى الاستغلال الذي يتم عن طريق أهل النفاق، يوصل الخبر بسرعة وتأتي الرسالة بسرعة.
يقول كعب بن مالك: وإذا بسائل من الأنباط يسأل يقول: أين كعب بن مالك، فدلوني عليه، فلما قرأ الرسالة طبعاً الشخص الذي تربى على الأصول الإسلامية الصحيحة يرفض هذه المهاترات ويرفض هذه المساومات الخسيسة، ولذلك قال كعب رضي الله عنه: وهذا أيضاً من البلاء، فرميتها في التنور فسجرتها، قوله: هذا أيضاً من البلاء، أي: من الامتحان الذي يمتحنني الله به، الشيطان يريد أن يرجعني إلى أهل الكفر، أخذ الرسالة وألقاها في الفرن فاحترقت.
وبعض هؤلاء المتساقطين يسقط بهدوءٍ دون أن يثير وراءه غباراً فيتوارى وينزوي في عالم النسيان وينتهي أمره، أما بعضهم فإذا أعمى الله قلبه فإنه يسقط وقد أصبح حرباً على الإسلام وأهله، وعلى دين الله، غاية همه الآن أن ينتقم وأن يفرق صف المسلمين، وأن يشكك كل من يريد الاستقامة، ويأخذ على نفسه العهد بهذا، إن من أعمى العمى الضلال بعد الهدى!