كان ابن القيم -رحمه الله- لديه إلمام تام بواقعه وعصره، ما كان يعيش بين الكتب منزوياً لا يدري عن شيء؛ بل كان لديه اطلاع جيد، وكان يعرف البدع وأهل الأهواء في عصره، وكان في عصره هجوم للنصارى على بلاد المسلمين، وهجوم للتتر، وكان رحمه الله يعرف مخططات النصارى في بلاد المسلمين، انظر إليه وهو ييقول في كتابه الجواب الكافي -هذه مسألة مهمة جداً وهي أن نعلم كيف كان العلماء من قبل عندهم تكامل، لم يكونوا مغمضي الأعين عما يحدث في الواقع؛ بل كان لديهم حس ومعرفة، وإلمام واطلاع- يقول:"وإذا أراد النصارى أن يُنصِّروا الأسير المسلم، أروه امرأة جميلة منهم، وأمروها أن تطمعه في نفسها -وصارت هي التي تدخل عليه السجن- حتى إذا تمكن حبها من قلبه، بذلت له نفسها إن دخل في دينها، يقول ابن القيم رحمه الله تعليقاً: فهناك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧] " هذا ابن القيم رحمه الله كان يعرف عن مخططات النصارى، وهذه سمة يفتقدها ويفتقر إليها كثير من أصحاب النيات الطيبة في هذا الزمان، فإنهم قد يقرءون في كتب العلم الشرعي، والأصول الشرعية، لكنهم لا يدرون شيئاً عن مخططات العلمانية، والماسونية، والشيوعية، والمذاهب الإلحادية الهدامة، لا يدرون عنها شيئاً، فقط علمهم بالقديم أما الجديد فلا.
وأيضاً هناك طائفة أخرى على الضد من ذلك يتوسعون في معرفة الطوائف، ومعرفة المذاهب الفكرية الجديدة، ومعرفة المخططات والاستعمار وغير ذلك، لكنهم لا يعرفون أبداً ما هو مسطر في كتب السلف، لكن عندما يأتي واحد مثل: ابن القيم ويقول هذا الكلام، وعنده علم شرعي زائد، وإلمام بالواقع، وشيخه ابن تيمية رحمه الله الذي درس على يديه، وكان يعرف مخططات التتر، ويكتب عنهم، ويحذر منهم، ويجعل الأمة تنهض نهضة عامة لتنتصر على التتر، ويقسم أيماناً أن المسلمين سينتصرون على التتر، وكان ابن تيمية يوزع حلوى النصر قبل أن تقوم المعركة، ويقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، ويعرف المخططات، ويعرف خطر النصيرية في الجبال، فيذهب إليهم ابن تيمية رحمه الله ومعه جيش الإسلام فيؤدبهم علماء أجلاء عرفوا الواقع، وكان عندهم علم بالشريعة، فحصل الخير العظيم بوجودهم.