للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحنان والشفقة على الزوج والأولاد]

من الأمور المهمة والصفات: صفة الحنان والشفقة: المرأة القاسية القلب الفضة الغليظة يمقتها ربها سبحانه وتعالى كما يمقتها البشر أيضاً، وحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً في الصحيح قال: (ودنت مني النار حتى قلت: أي رب! فإذا امرأة تخدشها هرة) -النبي صلى الله عليه وسلم أراه الله النار فيها امرأة تخدشها هرة في وجهها- (قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً، لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من الخشاش) فإذاً المرأة إذا كانت فضة وغليظة تقسو على الرجل، وتقسو على الأولاد، وعلى الحيوانات والجارات والأخوات، فإن الجميع سينفر منها ويكرهونها، ومن الصفات المهمة وجود الحنان، والحنان صفة المرأة لأنها مجبولة عليه، لا يزول إلا إذا طبع الله على القلب.

ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش؛ أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) ليس هناك أشد منهن حناناً على الولد في الصغر، ولا أشد رعاية لمال الزوج ولممتلكات الزوج.

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة، وله قصة: أنه عليه الصلاة والسلام خطب أم هانئ فاعتذرت بكبر سنها وأنها أم عيال، فرفقت بالنبي صلى الله عليه وسلم ألا يتأذى بمسنة، قالت: أنا مسنة لا أدع الرسول يتأذى بمسنة، ولا بمخالطة أولادها، لأن الرجل لو أتاه أولاد من امرأة أخرى ليس مثل أولاده مهما كان، صحيح أنهم ليسوا أولاده لكن لا يعني هذا أن يعاملهم بالفضاضة والغلظة، يعني بعض النساء مسكينة عندها أولاد من زوج آخر، ثم تزوجها رجل وضم الأولاد إليه لكن لا يعطف على الأولاد، ولا يعامل أولادها من الزوج الآخر بمثل أولاده، وربما يشتري لأولاده هدايا، وألعاباً، وأشياء ويترك أولادها، يا أخي هؤلاء أيتام، وهؤلاء قد يكون أبوهم طلق المرأة ظلماً، أنت ضمهم إلى أولادك يأجرك الله عز وجل.

والحنان من الأشياء التي فقدها النساء خصوصاً في المجتمع الغربي، وأنا أنقل لكم هذا الكلام من امرأة والفضل ما شهدت به الأعداء، أو قل: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، هذه مريم كوربي وهي سيدة هولندية وأم لثلاثة أطفال تقول: زوجي يعمل من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً، وأنا أعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، أعتقد أننا في حالة مادية معقولة، ونسكن في شقة جيدة، ويبدو أن هذا لا يكفي، فثمة تشققات هائلة داخل العائلة، لكأننا من عالم غريب مختلف عن عالم أطفالنا، أنا وزوجي نجتر بعض الحنين السابق، وبعض التفاعل السابق، الأمر لأطفالنا مغايرٌ تماماً، قد أكون مخطئة لكنني أشعر بحدس الأم أن أطفالي ملوثون بيأس خاص أعتقد أنه استوطن بقوة في اللاوعي، إنني لا أفهم الدافع لذلك، فهم يتابعون دروسهم في المدرسة، كما أنهم يشاهدون التلفزيون كل مساء، ولقد سألت أحد الأصدقاء وهو أستاذ في علم النفس عن هذه الحالة، فأجاب أن ملاحظتي هذه مجرد خيال، وأن الأطفال في صحة حضارية جيدة -انظر الكلام الفاضي؛ الأطفال في الغرب بهذه النظرة، ما دام عنده مدرسة وبيت ومال وحاجيات، وعنده وسائل اللهو واللعب، فهو لا يحتاج أكثر من ذلك- كلمة حضارية هذه هي التي أفزعتني، فأنا أعتقد أن أولادي ككل الأولاد الآخرين، يعانون حصاراً ما، إنني لا أفهم، كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفيهم على ما يبدو، لا يمكنني أن أقدم أكثر من ذلك، وأعتقد أننا نبني جيلاً يكرهنا بالضرورة.

فعلاً الحنان هو السر، السر في كل الكلام، هذه الجملة الأخيرة التي قالتها: كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفي.

ولذلك فإن خروج المرأة من بيتها دمار، وعملها خارج البيت دمارٌ على دمار، وانشغالها عن بيتها وعن أطفالها مصيبة، والآن مع وجود مشكلة الخادمات هذه صار الطفل يتعلق بالخادمة أكثر من أمه، الأم الآن صارت تقرف أنها تغير لولدها -أعزكم الله- اذهبي يا خادمة غيري له، الرضاعة يرضع من النيدو، وصار الجيل جيل النيدو محروماً من إرضاع الأم، وحنان الأم، فالخادمة هي التي توقظه، وهي التي تلبسه للمدرسة، وهي تستقبله من المدرسة، وهي التي تصنع له طعامه، وهي التي وفي النهاية وصلنا إلى مستوى عجيب.

واحد من إخواني يقول: ذهبت العائلة إلى المطار الأم والأب والولد والأولاد لأن الخادمة تريد أن تسافر، يقول فلما ذهبت الخادمة إلى صالة السفر ودخلت الأطفال بدأوا يبكون بشكل عجيب في صالة المطار، والذي يخلع يده من أمه، والذي يصيح، والذي متأثر جداً؛ لأن الخادمة تريد أن تسافر، والله لو أمه تريد أن تسافر ما سأل عنها، لأن الخادمة كل شيء، ومهما كانت الخادمة لن تعطي الحنان للطفل مثل الأم، فالآن هذه مشكلة اجتماعية خطيرة، صحيح أن الخادمة قد تنظف البيت، وتغسل الصحون، وتعتني بكي الملابس، لكن الأشياء المتعلقة بذات الطفل والزوج ينبغي على الأم أن تشتغل بنفسها في هذا الجانب، كل شيء تصنعه الخادمة، وفي النهاية الأم تقول: مع السلامة، قبلة باردة تطبعها على الوجه ويكفي، من أين له أن يحس بالحنان؟