أيها المسلمون: إن الدنيا تشغلنا عن العمل للإسلام كثيراً، وإن أوقات الكثيرين لتذهب في قضايا الدنيا، وبعضهم يعمل مع أنه يكسب أكثر من حاجته، لكن الطمع في الدنيا يجعله يعمل زيادة، ولو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له ثان، وهكذا فإذا قنعك الله -يا عبد الله- بما رزقك، فاستعمل بقية وقتك في خدمة دينك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).
وإن الانهماك التام في الأعمال الدنيوية يضيع على العبد فرصاً عظيمة لنيل الأجر والثواب، فكيف بمن ينشغل بالدنيا عن عمل الآخرة؟! وقد مدح الله المؤمنين الذين يتركون عمل الدنيا عند حضور عمل الآخرة، فقال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:٣٦ - ٣٧].
وترى بعض الطلاب ينهمكون في دراسات قد لا تعود عليهم بفائدة في أمتهم ودينهم، ويعملون أكثر من المطلوب، ويستهلكون وقت اليوم كله في أمور الدنيا، كما يستهلكه أولئك التجار وغيرهم من العاملين للدنيا، من عمل إلى عمل، ومن قضية إلى قضية، إلى آخر اليوم فماذا بقي للآخرة إذاً؟ يا أخا الإسلام: أين العمل للآخرة في برنامجك اليومي؟ هذه الصلوات تؤديها، لكن العمل لإعزاز الدين ونشره والدعوة إليه أين هو في حياتك؟ أين إقامة الإسلام؟ أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين تعليم الشرع؟ أين نصح الناس في حياتك؟ لما تخاذل أكثر المسلمين عن نشر الدين؛ صرنا في هذه المنزلة الوضيعة بين الخلق، وكثيرٌ من الموظفين لا يغتنمون مجالات الدعوة في وظائفهم لنشر الإسلام، والدعوة إليه، ونصح الخلق.
خذ على سبيل المثال: هؤلاء الأطباء الذين يحتكون يومياً ويتعاملون مع المرضى، ومن أسهل شيء عليهم أن يقوموا بدعوة المرضى للتمسك بالدين، من خلال المعالجة التي يقومون بها، فماذا قدم هؤلاء وغيرهم من أصحاب المكاتب لأجل الدين، حتى في وسط العمل، وفي وسط الموظفين الذين يعملون معهم؟ كم أمروا شخصاً بإقامة الصلاة؟ وكم نهوا شخصاً عن منكر ومعصية؟ وكم نصحوا للدين وأخلصوا لله؟ أيها المسلمون: إنها مسئولية سوف نحاسب عليها، يقول تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}[الزخرف:٤٤].
عباد الله: إن بعض الناس أتوا من فساد تصورهم، فتركوا العمل للدين، وقالوا: إن القضية ليست قضيتنا، ونحن نتركها للدعاة العاملين، وأنا مقصر لست ملتزماً بكثير من الأحكام، فليست الدعوة من شأني ولا من وظيفتي، وليس إقامة الدين والنصح من أمري كيف -أيها الأخ المسلم- تقول ذلك؟ إن نشر الدين ليس مقتصراً على طبقة دون طبقة، ولا على مستوى دون مستوى، ولا على نوعية من المسلمين دون أخرى، بل كلنا دعاة وكلنا ناصحون، وكلنا يجب أن نقوم بأمر الدين، قال الله:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣].
أين المسارعة في الخيرات؟ {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:٦١]، كل واحد يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى- وقد تبين بذلك أن الدعوة نفسها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فإذاً لا بد لكل إنسان أن يقوم بذلك، ليس نهياً عن المنكر فقط، وإنما أمر بالمعروف أيضاً، وإنما هو تعليم للدين، وإرشاد ونصح.