هناك أسباب تنشأ منذ الصغر وتكبر مع الإنسان، فعدم التعود على ضبط الهوى من الصغر سبب في التمادي في اتباع الهوى؛ لأن الإنسان قد يلقى من أبويه صغيراً حباً مفرطاً وحناناً زائداً؛ بحيث يطغى هذا الحب والحنان على تنمية الضوابط الفطرية والشرعية التي لا بد منها لتنظيم الضرائر والنوافع ومقاومة الهوى، وكثير ما يلاحظ تفريط بعض الآباء والأمهات في هذا، من حيث ترفيه الولد وجعله يفعل ما يشاء ويرخي له العنان ليختار ما يشاء، وتلبى كل رغباته، وهذه تربية فاسدة.
يا أخي: إذا لم نحرم الأولاد من شيء أبداً، ولم نقف في طريقهم لنيل مطلوب نفسي عندهم أبداً، ونلبي كل ما يطلبون، ولا نقف عائقاً في طريق ما يشتهون، نكون قد أضررنا بهم، وربيناهم على اتباع الهوى منذ الصغر، ولذلك القضية في اتباع الهوى تنشأ منذ أن يقوم الأب بترفيه الولد وإعطائه ما يريد من البداية، يريد مالاً أعطيناه، يريد جوالاً أعطيناه، يريد دشاً ركبناه له، يريد سيارة أعطيناه، والبنت نفس الشيء تريد أن تتسلى على الدش ورسيفر والجوال، نحن تحت الخدمة.
إذاً: نحن منذ أن ننشئ أطفالنا ويكبروا ويصبحوا شباباً على مبدأ: (خذ) وبالذات إذا كان الأب مقتدراً وغنياً، بل يقول لك: أنا أقطع لقمتي لأعطي ولدي، جزاك الله خيراً، لكن ماذا تعطيه؟ لقمة يأكلها بالحلال فهذا حسن، لكن إذا قلت: أعطيه أي لعبة، فهل فكرت هل هذه اللعبة حلال أو حرام؟ يريد أن يعمل شيئاً، هل فكرت أن هذا الشيء حلال أم حرام؟ وإذا نام عن صلاة الفجر قالوا: دعوه يرتاح مسكين تعبان، فنحن الذين ربيناهم على اتباع الهوى في ذلك، وجعلناهم يمشون على هذا المبدأ منذ الصغر.
قال الشيخ محمد قطب في منهج التربية الإسلامية: والأم التي ترضع طفلها كلما بكى لكي يسكت، أو لأنها لا تطيق أن تسمعه يبكي تضره بذلك؛ لأنها لا تعينه على ضبط رغباته، ولا تعوده على ذلك الضبط من صغره فلا يتعود في كبره، ومن منا تتركه ظروفه الصعبة في حياته لرغباته يشبعها كما يشاء، وذلك فضلاً عن أن المسلم بالذات ينبغي أن يتعلم الضبط، ويتعوده منذ باكر عمره؛ لأن الجهاد في سبيل الله لا يستقيم بالنفس التي لا تستطيع ضبط رغباتها فتنساق معها، وكيف يمكن الجهاد بغير ضبط الشهوات والرغبات، حتى وإن كانت في دائرة المباح الذي لا حكم فيه في ذاته؛ لكنه قد يصبح إثماً فيما يشغل عن الجهاد المباح يصبح إثماً حينما يشغل عن الجهاد:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤] فكل ما ذكرته الآية ليس محرماً في ذاته، فالمساكن ليست حراماً في ذاتها، وتجارة تخشون كسادها ليست حراماً في ذاتها، كلا، لكنه صار فسقاً وحراماً حين أصبح سبباً في القعود عن الجهاد في سبيل الله، وحين رجحت كفته في ميزان القلب على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله، فما الوسيلة للاستقامة على دين الله إلا ضبط هذه الرغبات والاستغناء عنها حين تحول بين الإنسان وبين سبيل الله.
ألا ترون أن صحابية جليلة أخبرتنا بأنهم كانوا يُصوِّمون صبيانهم الرضع في عاشوراء، أي: على أقل يوم في السنة وإذا بكوا أعطيناهم اللعب من العهن ينشغلوا بها حتى وقت المغرب.
حتى الرضع كانوا يصومونهم في عاشوراء.
قال: والضبط مقدرة يتدرب الإنسان عليها، وعادة يتعلمها، وكلما تدرب عليها وهو صغير كان أقدر عليها، وأكثر تمكناً منها فيجدها حاضرة في أعقابه حين تفجعه الأحداث؛ لأنه متدرب، كما قال بعضهم: إنه كان يرافق شيخاً فأراد في طريقه أن يشرب من بئر فقال: اصبر إلى البئر التي تليه، فلما وصل البئر التي تليها أراد أن يشرب قال: اصبر إلى البئر التي تليها، وهكذا ثم تركه يشرب في النهاية وقال: عود نفسك أنه ليس كل ما دعت النفس مباشرة تستجيب، أحياناً احرمها من بعض الأشياء بما لا يضرها، لكن بحيث يرق ذلك في نفسك قدرة على الاستغناء عن الشيء المباح في حالة عدم وجوده.
ومن أسباب فشل أولادنا في المجتمع أنه متعود أن يلبى له كل طلب، إذا خرج المجتمع ووجد الحياة صعبة وأنه في الوظيفة يحرم من أشياء، ويخصم منه أشياء، ويطرد من أشياء ويجد كلمة غليظة فلا يتحمل العمل؛ لأنه تعود على إعطاء كل شيء على هواه، وكذلك تجد بعض أولاد الأغنياء إذا افتقر أبوه فجأة أو مات وضاعت الأموال لا يستطيع أن يعيش، متعود على مستوى ثانٍ، والبنت إذا خرجت من عند أبٍ يدللها بأي شيء إلى زوج قليل ذات اليد لا تستطيع أن تعيش، فتطلق بعد وقت قصير، لنفس السبب.