سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن يعتقد أن الكواكب لها تأثيرٌ في الوجود، أو يقول: إن له نجماً في السماء يسعَد بسعادته، ويشقَى بعكسه، ويقول: إنها صَنْعَة إدريس عليه السلام -التنجيم- ويقول هذا المفتري الكاذب: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نجمه العقرب أو المريخ، هل هذا من دين الإسلام؟ وماذا يجب على قائله؟ فأجاب رحمه الله إجابة طويلة، منها نقتطف قولَه: الحمد لله.
النجوم من آيات الله الدالة عليه، المسبحة له، الساجدة له:{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}[الأعراف:٥٤]-النجوم مسخرة بأمر الله جعل الله لها وظائف: هداية المسافر في البر والبحر، رجوماً للشياطين، تسبح الله، وتسجد- ثم قال: وهكذا المنجمون في ادعائهم الغيب والخرافات والأكاذيب حتى إني خاطبتهم بـ دمشق -لأنه كان يعيش فيها شيخ الإسلام - وحظر عندي رؤساؤهم، وبينت فساد صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعترفون هم بصحتها، قال رئيسٌ منهم: والله إنا لنكذب مائة كذبة حتى نصدُق في كلمة واحدة.
واعتقاد المعتقد أن نجماً من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونحسه اعتقاده فاسد، وإن اعتقد هذا المعتقد أن هذا النجم هو الذي يدبر له -يعني: أموره- فهو كافر، أي: كافر بالله.
ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين - الصابئة: كلمة يطلقها بعض العلماء على عُبَّاد النجوم، ولا زال هناك إلى الآن من يعبد النجوم، ومنهم أقوامٌ يسكنون بأرض العراق حتى هذه الساعة- وأتباعهم قد قيل: إنهم كانوا إذا وُلِد لهم المولود أخذوا طالع المولود وسَمَّوا المولود باسمٍ يدل على ذلك -يعني: ذلك الطالع- وهكذا جاء مَن بعدَهم -يسأل الرجل عن اسمه واسم أبيه واسم أمه ليعرف طالعه ويعرف سعده من نحسه وحظه في الدنيا ورزقه وهكذا- وأما اختياراتهم -يقول شيخ الإسلام - وهو أنهم يأخذون الطالع لما يفعلونه من الأفعال، مثل اختياراتهم للسفر أن يكون إذا كان القمر في شرفه وهو السرطان -هذا اعتقاد المنجمين- إذا كان السفر في برج السرطان فهو سفرٌ طيب، وألا يكون في هبوط القمر وهو برج العقرب، فهذا إذا اعتقد هذا فهو من الباب المذموم.
ولما أراد علي بن أبي طالب أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجمٌ فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر! فإن القمر في العقرب -في برج العقرب، لا تسافر- فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزِم أصحابُك -أو كما قال- فقال له علي: بل أسافر -بل أسافر في هذا الوقت- ثقة بالله، وتوكلاً على الله، وتكذيباً لك، وإرغاماً لأنفك، فسافر علي رضي الله عنه بجيشه، فبورِك له في ذلك السفر، حتى قَتَل عامَّة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سُرَّ به.
ثم أجاب شيخ الإسلام عمَّن ادعى أن صنعة التنجيم لإدريس عليه السلام، وأنه برج الرسول صلى الله عليه وسلم في العقرب والمريخ، فقال: هذا كلامٌ لا دليل عليه، ولا علم لقائله به، بل إنه من التُّرَّهات.