ثم اعلموا رحمكم الله -وقد تكلمنا عن هذه النجاسات الحسية- أن الكلام يذكرنا بالنجاسات المعنوية التي هي أشد وأسوأ من النجاسات الحسية، فمثلاً: الكفار نجس، قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة:٢٨] فهل عندما تقابل كافراً -يا عبد الله- تحس باشمئزاز لنجاسته في شركه؟ لأنه جاحد لله، ومشرك مع الله، ومستهزئ بالله، وتارك لكل ما فرض الله، وهل يكون اشمئزازك من الكافر أشد من اشمئزازك من البول والغائط؟ لا يلزم أن تظهر له ذلك خصوصاً إذا كنت في مقام الدعوة، ولكن هل تشعرون أيها الموظفون المخالطون للكفار بالاشمئزاز منهم عند رؤيتهم أشد من اشمئزازكم من العذرة والبول؟ قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:٢٨] أي: لما حرم دخول الكفار إلى الحرم، قال بعض المسلمين: ذهبت التجارات، وستكسد أموالنا لأن الرواد سيقلون.
مثلما يقول الآن عدد من الناس في بعض بلدان المسلمين، إذا قال لهم العلماء والدعاة: امنعوا السائحين من الكفار من دخول مساجدكم وأماكنكم، وفيهم قذر وأمراض، قالوا: هذا ينقص الدخل القومي، والله يقول:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}[التوبة:٢٨] أي: فقراً أو نقصاً في الدخل {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[التوبة:٢٨].
وقد أغنى الله الصحابة لما اتقوا الله بأموال الجزية أضعاف أضعاف ما كان يأتيهم من أموال الكفار إذا دخلوا الحرم.