والتجاوز عن المحتاجين والمساكين والمدينين -أصحاب الديون- أمر عظيم من إحسان تعامل الخلق، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه قد كان رجلاً يخالط الناس، وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه -يقول للملائكة- تجاوزوا عنه) بعد أن لقي الله وكان موحداً لكن ليس له من الخير إلا ذلك، قال: تجاوزوا عنه.
مواساة الناس في السنة المجاعة وفي القحط والشدة، تنزل حيث بالناس ظروف صعبة فيحتاجون وتضيق أحوالهم، فما هو حسن التعامل مع الخلق في هذه الحالة؟ المواساة والبذل لهم، ولذلك قال الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، مع أن المهاجرين ما تعبوا في شيء، قال: لا.
لا يعرفون الزراعة، فقالوا: تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا.
وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام عام الرمادة وكانت سنةً شديدة مؤلمة بعدما اجتهد عمر في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها مما أجهده ذلك فقام عمر يدعو فقال:[اللهم اجعل رزقهم على رءوس الجبال، فاستجاب الله له وللمسلمين فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم -إذا كانوا خمسة أدخل معهم خمسة، وإذا كان أهل البيت ميسورين وكانوا أربعة أدخل معهم أربعة- إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم الواحد] يعني: طعام الواحد يكفي الاثنين.
قال محمد بن زياد: أدركت السلف -انظروا إلى التعامل بين الجيران والناس في ذلك الوقت رحمة الله على أهل ذلك الوقت- أدركت السلف وإنهم ليكونون في المنزل الواحد بأهاليهم فربما نزل على بعضهم الضيف وقدر أحدهم على النار -يكون قدر أحدهم على النار، والثاني نزل عنده ضيوف- فيأخذها صاحب الضيف لضيفه، يأتي صاحب الضيف إلى القدر التي لصاحبه ويأخذها لضيفه، فيفقد القدر صاحبها!! فيقول: من أخذ القدر؟! فيقول صاحب الضيف: نحن أخذناها لضيفنا، فيقول صاحب القدر: بارك الله لكم فيها، قال محمد: والخبز إذا خبزوا مثل ذلك، وليس بينهم جدر من قصب -الحدود جدار من قصب- فالواحد لا يجد حرجاً أن يأخذ من أخيه وأخوه يفرح إذا أخذ منه؛ لأن الأول يأخذ برضا الثاني وهو يعلم أنه راضٍ، فأين هذه الأخلاق؟! وكان على الضيوف من التعامل مع صاحب البيت ألا يحرجوه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر (جائزة الضيف ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه) لا يحل له أن يقيم عنده حتى يحرجه، ويضيق عليه.
وأما مشاركة العمال والموظفين فاسمع ما قال نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من الوهط -بستان وأرض كانت لـ ابن عمرو -[أيعمل عمالك؟ قال: لا أدري، قال: أما لو كنت ثقفياً لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت إلينا فقال: إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره، وقال أبو عاصم مرةً في ماله -في الشركة أو المؤسسة أو الدكان أو البيت- كان عاملاً من عمال الله عز وجل] كأنما يعمل لله، من عمال الله عز وجل.