قد يسأل بعض الناس يقول: هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، يعني: شخص الآن يشرب الخمر ويزني وهو مصر على شرب الخمر، لكنه امتنع من الزنا وتاب، هل تقبل توبته من الزنا وهو يصر على شرب الخمر؟ قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق اختلاف العلماء: والذي عندي في المسألة أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر، فإن توبته من الربا صحيحة، لأن الربا ليس من نوع شرب الخمر، وأما إذا تاب من ربا الفضل وبقي مصراً على ربا النسيئة هل تقبل توبته؟ لأنه ما زال مصراً على نوع آخر من نفس المعصية، أو تاب من تناول الحشيشة -هذا ابن القيم يقول الحشيشة، ونحن نقول: المخدرات أيصاً- شخص تاب من المخدرات وأصر على شرب الخمر، فهاتان المعصيتان من نوع واحد أم من نوعين مختلفين؟ فلا تقبل التوبة والحالة هذه، هذا مثل واحد يتوب عن الزنا بامرأة ويصر على الزنا بامرأة أخرى، فنقول: لا، لا ينفع، لأنه ما زال واقعاً في الزنا.
مرةً قابلت موظفاً أتكلم معه يقول لي: والله أنا أكثر السفر وأنا أصارحك أني ما شربت الخمر مطلقاً برغم أني جلست على موائد فيها خمر، ما شربت الخمر، ولكن الصراحة أني قد زنيت، لماذا؟ يقول: لأن الخمر أريد أن أشربها في الجنة -هذا منطق، أناس عندهم طرق عجيبة في التفكير- فيقول: أنا تبت من هذا، أتيت بهذا المثال لكي أوضح كي لا يفهم بعض الناس ويقول: إذاً نتوب من بعض الذنوب ونبقى على الذنوب الأخرى، لأن هذه الاستهانة مصيبة يمكن أن تمحق العمل كله.
وقد يعدل الإنسان عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب، فمنها: إما أن يترك معصية ويصر على أخرى، لأن الأخرى وزرها أخف، يقول مثلاًَ: أنا تبت عن الزنا لكن لا أريد أن أتوب عن النظر إلى المسلسلات والصور المحرمة، لماذا؟ يقول: لأن هذه إثمها أقل، لذلك أنا تبت عن هذه، لكن أبقى على هذه.
أو لغلبة دواعي الطبع عليه، فهناك شخص مثلاً قد لا يسبل، يترك معصية الإسبال لأنها ليست متعلقة بشهوة كما قال أحدهم، قال: أنا قد أعفي لحيتي وأقصر ثوبي لأني لا أجد فيها مقاومة للنفس، لكن بصراحة لا يمكن أن أترك النظر إلى المرأة الأجنبية، لماذا؟ لأن نفسه تلك ما فيها مقاومة، هذه ليست فيها مقاومة للنفس، فلذلك قد لا يستطيع أن يتركها.
وبعض المعاصي أسبابها حاضرة بين يديه فمثلاً يمكن بسهولة أن يضع فيلماً ويشغله ويراه بسهولة، لكن مثلاً المخدرات يقول: كيف أحضرها؟ ومن أين أبحث عنها؟ صعبة!! ولذلك هو يترك ذلك الذنب ويصر على هذا لأن أسباب تحصيل هذا متوفرة، وأسباب تحصيل ذلك الذي تركه صعبة، فمثل هذا لا يكون صادقاً مع الله.
أو أن بعض أقران السوء وخلطائه لا يدعونه يتوب من المعصية، لماذا؟ لأنه قد يترك جاهه، فقد يكون مترئساً مجموعة يفعلون فعلاً، أو هو الذي يجلب لهم المنكر الذي يقارفونه، وهذا موجود، فهو الآن عندهم زعيم عظيم ووجيه، لو تاب فقد الزعامة، فبعض الناس يحب الرئاسة بأي طريقة حتى لو بحصب جهنم، المهم أن يكون هو الذي ينظر إليه، فمثل هذا مثل أبي نواس الشاعر الفاجر الذي نصحه أبو العتاهية ولامه على تهتكه في المعاصي، فقال أبو نواس: