ومن الأمور كذلك: قضية المناصب والوجاهات وما تسببه من الوقوع في كثير من المحرمات؛ فإن بعض الناس الذين يرتقون في السلم الوظيفي وتتحسن أحوالهم من هذه الجهة يأخذهم الكبر والعجب والغرور، ويبدأ يجتمع مع من هو أكبر منه؛ يكون مشرفاً فيجتمع مع المدير، ويكون مديراً فيجتمع مع المدراء، ويكون مديراً عاماً فيجتمع مع أعضاء مجلس الشركة، وقد يكون هؤلاء من الفسقة الفجرة الذين يكون اجتماعهم في معصية الله، فيتأثر بهم، ويجذبه بريق المنصب إلى طاعتهم، ويخاف على منصبه أنه إذا خالفهم في شهواتهم وأهوائهم أن يفقده، وقد يحضر وقت صلاة الجماعة وهو في الاجتماع فيأتيه الشيطان، ويقول: كيف تغادر المكان الآن إلى صلاة الجماعة؟ ماذا سيقولون عنك؟ قد يتهمونك ويلفقون ضدك ما يفقدك هذا المنصب، ويدفع الكثير ممن يختلطون بمثل هذه الطبقة من الناس الثمن من دينه.
وقد يجلس في مكان يعرض فيه فيلم علمي -مثلاً- تصحبه الموسيقى، فيأتيه الشيطان، ويقول: كيف تخرج من هذه القاعة؟ وماذا يقول الناس عنك؟ وقد يحدث أن بعض الطلاب في موضع الدراسة قد يضعف واقعه الدراسي، وقد يحصل نتائج سيئة وهو مستقيم، فيبدأ يضع سبب الانتكاس الدراسي على التدين، والدعوة إلى الله، والمستقيمين، وأنهم السبب في نكسته الدراسية، ويقول: إن هؤلاء أشغلوني، وإن الدعوة إلى الله قد أشغلتني، وطلب العلم أشغلني؛ فوصلت إلى هذه الحالة الدراسية السيئة، فما هو الحل حتى يحسن وضعه الدراسي؟ إنه لا بد أن يتخفف من هذه المهام، ولا بد أن يخرج من هذه الأوساط حتى يصبح حراً طليقاً يدرس كما يشاء حتى يتفوق.
ومن المعلوم أن مثل هؤلاء الناس إنما أوتوا بسبب عدم ترتيبهم وتنظيمهم لوقتهم، وعدم استغلال الأوقات في الأشياء النافعة التي يريدون عملها، فعندها يُحمِّل الدين والاستقامة والدعوة إلى الله وطلب العلم والناس المستقيمين السبب في انتكاسته الدراسية، فيترك كل هؤلاء وينحدر بعد ذلك في طريق الغواية.