كذلك فإن التابعين قد ساروا على نهج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فهذا التابعي الجليل أبو العالية قال:[كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بـ البصرة فما نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم].
وكذلك قال الإمام مالك رحمه الله عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب:[كنت أرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد].
وعن الشعبي رحمه الله أنه خرج من الكوفة إلى مكة في ثلاثة أحاديث ذكرت له، فقال:"لعلي ألقى رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
وكان الشعبي رحمه الله من كبار الحفاظ، وكان يقول: "ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي -لا يحتاج إلى كتابة لأن العلم كله محفوظ في الذهن- ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً.
قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وفي رواية: كصبر الحمار- لأنه معروف بصبره على الذل وقلة التفقد، أي: أنه لو ما تفقده أحد فهو يصبر، وبكور كبكور الغراب.
كانت العرب تقول: تعجبنا من أربعة أشياء: من الغراب والخنزير والكلب والسنور، فأما الغراب فسرعة بكوره وسرعة إيابه قبل الليل.
وكذلك قال أبو قلابة الجرمي رحمه الله: أقمت في المدينة ثلاثة أيام ما لي بها حاجة إلا قدوم رجل بلغني عنه الحديث، فبلغني أنه يقدم فأقمت حتى قدم فحدثني به.
وكان مكحول رحمه الله عبداً لـ سعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل بـ مصر، فأنعم الله عليه بـ مصر وأعتق، قال عن نفسه: فلم أدع بها علماً إلا حويته فيما أراه -في ظنه- ثم أتيت العراق فلم أدع بها علماً إلا حويته عليه فيما أراه، ثم أتيت المدينة فكذلك، ثم أتيت الشام فغربلتها، كل ذلك أسأل عن النقل.