[الرجوع إلى الدين قبل المواجهة ودعوى التقريب بين الأديان]
إن الدين يتعرض في هذا الزمان للتشويه، وإلى حذف أشياء من الدين، وهم يريدون إلغاء أي شيء يتعلق بقضية إرهاب الكفار وجهاد أعداء الله ونحو ذلك، فالذي يقول: إن الإسلام ليس فيه أي مواجهات، ولا اعتداء، ولا قتال، ولا استيلاء على أموال الآخرين مخطئ في قوله، وكيف ليس فيه استيلاء؟ وهذه الغنائم أليست استيلاء على أموال الكفرة المحاربين؟ إذاً الإسلام فيه استيلاء على أموال الآخرين لكن بالحق، والله عز وجل يقول: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال:٦٩] ولذلك قال العلماء: أحل الحلال أموال المحاربين وهي الغنائم، لكن لا يمكن أن تكون الأمة في وضع صعب وهزيمة، والمرتدون فيها كثرة مسيطرون، والمنافقون فيها كذلك، ثم تحارب وتغنم! الأمة لا تستطيع أن تحارب وتجاهد وتغنم إلا إذا قامت على قدميها، وإذا صار الدين فيها محكماً، ورجع الناس فيها إلى الله، وصارت الجبهة الداخلية فيها متماسكة، وتمسَّك المسلمون بالدين، فعند ذلك يمكن الجهاد والغنائم، أما في هذا الوضع، فإن الأمة تحتاج إلى دعوة وإصلاح قبل أن تجاهد، فلا يمكن أن تجاهد وهي بعيدة عن الدين، فإن أكثر المسلمين شاردون عن الدين، ومنغمسون في المعاصي، وفي الفجور، وفي الفسق هذا لا يصلي، وهذا يستهزئ بالإسلام، وهذا لا يعرف السنة، وهذا يعترف ببعض السنة، وهذا أهل بيته في غاية التبرج والفسق والفجور، وهذا بيته مليء بالمنكرات كيف ستجاهد الأمة وهذا وضعها وحالها؟! إذاً فالأمة تحتاج إلى إصلاح وإلى دعوة قبل أن تقوم للجهاد في سبيل الله، وقبل أن تفكر في الغنائم فكِّرْ في الدعوة أولاً، وفي إصلاح المسلمين، حتى يكونوا متهيئين بعد ذلك للجهاد والغنيمة، ومع أننا غير قادرين على القيام بهذا الأمر فإننا لا ننكره، بل إن الجهاد موجود في الدين، لكن نحن غير قادرين عليه.
لقد أحل الله غنائم الكفار، لكن نحن غير قادرين عليها، لأن وضعنا لا يسمح بالجهاد وأخذ أموال الكفار، ولكن لا ننفيه ونقول: ليس في الإسلام جهاد ولا غنائم، ولا أخذ أسرى الكفار؛ قتلاً أو مناً أو مبادلةً أو فداءً لا، هذا موجود في الإسلام، وبعض المنهزمين منا يقولون: الإسلام دين السلام، أما الجهاد فكان في الماضي وقد انتهى، أما الآن فلابد من التعايش السلمي، والتقريب بين المسلمين وبين اليهود والنصارى، وعقد لقاءات لهذا الأمر كيف التقريب؟ هذا نصراني يقول: الله ثالث ثلاثة، وأنا مسلم أقول: الله واحد لا شريك له كيف يحدث التقريب؟! ومن سيقترب من الآخر؟ ثم السؤال الآخر: كيف سيكون التقريب؟ معني ذلك أنك تسحب الطرفين إلى الوسط، أليس هذا هو التقريب؟ يهودي مسلم، أو نصراني مسلم! كيف يمكن أن يحدث؟ معنى ذلك أننا نتنازل وهم يتنازلون، وهم على كل حال كفار تنازلوا أم لم يتنازلوا فهم لا يختلفون، وسينتقلون من كفر إلى كفر أدنى منه قليلاً أو مثله، ونحن سوف نقترب إليهم، ومعنى ذلك أننا سنداهن في دين الله، والله يقول: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩] قالوا: يا محمد نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة ففكرة التقريب قديمة، فنزل قوله تعالى نسفاً لفكرة التقريب: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:١ - ٦] لا يوجد تقريب، هما دينان مستقلان منفصلان لا يمكن التقارب بينهما، إذا كان يريد أن يقترب مني فأهلاً وسهلاً، لكن أن أقترب منه فهذا كفر لا أرضى به.
إن فكرة الحوار بين الأديان، وفكرة التعايش بين الأديان، وزمالة الأديان، وأن نجتمع في شيء اسمه: الملة الإبراهيمية، هذا من مخترعات اليهود، قالوا: هذه الملل السماوية تلتقي في إبراهيم، فإن اليهود والنصارى والمسلمين كلهم يرجعون إلى إبراهيم، فقالوا: ننشئ شيئاً اسمه: الملة الإبراهيمية، فنحن أصلنا يرجع إلى إبراهيم، ولا أحد يخطئ أحداً، ولا أحد يعتدي على أحد، ولا أحد يكفر أحداً، ولا أحد يضلل أحداً، ولا أحد يقول إن الطائفة هذه في النار ولا شيء، ونعيش في سلام وسبات ونبات، ونخلف بنين وبنات إن هذا يعني الرضا بالكفر، وإقراره، والتعايش والتأقلم معه، ولذلك فهم يسعون بكل طريق إلى هذه الدعوة، وهم يعرفون أنهم إذا تنازلوا عن شيء من الدين فلا يهمهم ذلك، فالنصراني لو قال: أنا لا أقول إن الله هو المسيح، أنا أقول فقط: إن المسيح هو ابن الله، ونقول: إن المسيح ثالث ثلاثة، وأنتم -أيها المسلمون- أيضاً تنازلوا قليلاً، فلا تكفرونا، نحن فقط نطلب منكم ألا تكفرونا، لا تقولوا: إن اليهود والنصارى كفار فنحن إذا قبلنا بهذا كفرنا؛ لأن الله قال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣] وأنت إذا قلت: نحن لا نكفر النصارى، فمعناه أننا خالفنا القرآن صراحة وكذبناه، نقول: إن الله كفرهم لكن نحن لا نريد أن نكفرهم! ولذلك كان من نواقض الإسلام: من لم يكفر الكفار، أو صحح مذهبهم، أو رضي بهم، أو قال: إنهم يدخلون الجنة وليسوا في النار، فقد كفر.
فلو جاء مسلم وقال: إن النصارى الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، ليسوا بكفار، وليسوا من أهل النار فإنه كافر، مكذب مناقض لما أنزله الله، ومصادم لما حكم به الله، ولم يرض يرضى بما حكم به الله.
فاليهود والنصارى يريدون منا في هذه الأيام تنازلاً مهماً جداً، وهو: ألا نكفرهم فقط، نقول: كلنا مؤمنون، وكلنا أهل ديانات سماوية، وكلنا أحباب، ودربنا واحد، لكن أنت تعبد الله بالطريقة الإسلامية، وذاك يعبد الله بالطريقة النصرانية، وكلها طرق ورسائل وأديان سماوية فالذي يقول هذا كافر، وهو تمييع للدين وتمييع للتوحيد.
أمر آخر: إننا إن لم نكفرهم فقد رضينا بقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وأن الله لما خلق الخلق تعب فاستراح يوم السبت، كما يقول اليهود في سبهم لربهم عز وجل.
فإذاً لا يمكن التقريب بين المسلمين وغير المسلمين، وهذه فكرة يهودية، وهذا مذهب خبيث باطل، وزمالة الأديان -أيضاً- فكرة كفرية لا يجوز إقرارها أبداً، وإذا كان المقصود بالحوار هو التقارب فهي مصيبة، وأما إذا كان الحوار لإقناعهم بالحق ودعوتهم إلى الله فنعم {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:٤٦] فنعرف من خلال قصة ثمامة رضي الله عنه أن الإسلام ينشئ في نفس المسلم تلقائياً مناقضة الشرك ومحاربته، وتحدي المشركين، وهذا ثمامة لم يرضَ عندما قالوا له: أصبوت؟ قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تحداهم بالخطر الاقتصادي، ولا تأتيهم حبة حنطة بدون موافقة النبي عليه الصلاة والسلام، فهكذا كان المسلم يُسلِم ويفهم كل هذه الأشياء، واليوم بعض المسلمين يعيشون في الإسلام سنوات طويلة ولا يفهم عشر ما فهمه ثمامة، فإنه أسلم واتخذ كل هذه المواقف مباشرة، فهم ما يقتضيه الدين، فهم معنى لا إله إلا الله وما تقتضيه هذه الشهادة، واليوم كثير من المسلمين لا يفهمون في سنوات طويلة بعض ما فهمه ثمامة، ويرفضون أن يتخذوا مواقف شبيهة بما اتخذه ثمامة رضي الله عنه.