أما السعاية فهي الوشاية: أن يشي بإنسان عند صاحب سلطان أو منصب لكي يوقع به، وهذه السعاية والوشاية هي شر الثلاثة؛ لأنها تجمع إلى مذمة الغيبة، ولؤم النميمة، التغرير بالنفوس والأموال، ووردت أمثلة وقصص لهذا فمما ذكره ابن عبد البر في بهجة المجالس قال: استراح رجل إلى جليس له في السلطان، يعني: رجل تكلم مع رجل في المجلس فوقع في السلطان فاستراح ووثق بالذي أمامه فتكلم في السلطان -هذا الآخر كان غير ثقة ولا يحفظ الحديث- فذهب إلى السلطان وقال: فلان قال عنك كذا وكذا وكذا، فرفع ذلك عليه، فلما أوقف السلطان ذلك القائل فقال له: أنت الذي قلت عني كذا وكذا وكذا، فأنكر أن يكون أحد سمع ذلك منه، فقال السلطان: بل فلان سمع ذلك منك هل ترضى به؟ قال: نعم.
على أساس أنه صديق وصاحب، فكشف الستر عن الرجل، وكان قد خبأه عنده فقال: بلى أنت قلت ذلك لي، فسكت المرفوع عليه ساعة ثم أنشأ يقول:
أنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي قلت بيننا بمنزلة بين الخيانة والإثم
إما أنك خائن أو آثم.
وسعي بأحدهم إلى سلطان وكان السلطان عاقلاً فقال للساعي والواشي: أتحب أن نقبل منك ما تقول فيه على أن نقبل منه ما يقول فيك؟ قال: لا.