للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بحث أم إسماعيل عن الماء وكرامة الله لها]

قال: (فلما أشرفت على المروة -في ختام الشوط السابع- سمعت صوتاً، فقالت: صَهْ وفي رواية: أنها كانت كل مرة تتفقد إسماعيل، وتنظر ماذا حدث له بعدها وترجع، ولكن لم تقرها نفسُها -أي: لم تتركها نفسها مستقره فتشاهده في حال الموت، وكانت في كل مرة تلقي نظرة على إسماعيل وترجع تأخذ شوطاً وتصعد، وفي نهاية الشوط السابع وهي فوق المروة -سَمِعَت صوتاً فقالت: صَهٍ صَهْ -أي: اسكت، فكأنها من حرصها تقول لنفسها: اسكتي وأنصتي، لعلك تهتدي إلى مصدر الصوت- تريد نفسها -وإلا فصَهْ كلمة تقال لإسكات الشخص المتكلِّم، فهي قالت لنفسها: صَهْ- تريد نفسها، ثم تسمَّعت فسمعت أيضاً -صوتاً- فقالت: قد أسمعتَ -مصدر الصوت- إن كان عندك غِواث أو غُواث -تريد به هذا المستغيث- فأَغِث -أي: إن كان عندك معونة أغث- فإذا هي بالملك وهو جبريل عليه السلام -وعند الطبري بسند حسن- فناداها جبريل، فقال: من أنتِ؟ قالت: أنا هاجر، أو أم ولد إبراهيم -أم ولد، أمة إبراهيم أم ولده- قال: فإلى من وَكَلَكُما؟ قالت: إلى الله، قال: وَكَلَكُما إلى كافٍ -أي: يكفيكما- حسبكما مَن وَكَلَكُما إليه -وَكَلَكُما إلى عظيم يكفيكما- فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه أو قال: بجناحه -شكٌّ من الراوي، هل ضرب جبريل الأرض بمؤخر قدمه وهو العَقِب، أو ضرب الأرض بجناحه؟ - لما فعل ذلك جبريل ظهر الماء وفي رواية: نبعت زمزم -نبعت زمزم من هذه الضربة- حتى ظهر الماء، ففاض وانبثق، وأول ما رأت هاجر هذا المنظر -من حب التملك، والحرص على الماء ألَّا يذهب- جعلت تحوِّضُه -تجعله مثل الحوض، وتقول بيدها هكذا، تحبس الماء.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم، أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً) أي: لو أن هاجر تركت زمزم كما هي مثلما ضَرَبها جبريل وانبثقت، لصارت زمزم نهراً جارياً يمتد ويجري على ظاهر الأرض، لكن حرصها الزائد جعلها تحوط الماء، فبقي في مكانه، وإلا لأصبح الآن نهراً يجري، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور -بعد ما تغرف- فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملَك: (لا تخافوا الضيعة -يطمئنها، لا تخافي أن ينفد الماء، لا تخافي الظمأ- فإنها عين يشرب منها ضيفان الله وفي رواية: قالت: بشرك الله بخير وفي رواية البخاري فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله يَبْنِي هذا الغلام وأبوه وفي رواية: يبنيه هذا الغلام وأبوه -وأشار إلى موضع البيت على مدرة حمراء -تربة حمراء- قال: أشَّر لها إلى موضع البيت، وقال: هذا بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه -بشرها ببناء البيت العتيق- وكان موضع البيت لم يُبْنَ بعد- وكان البيت مرتفعاً من الأرض) يقال: إن آدم قد بناه في هذا الموضع، ولكن البيت قد ذهب بعد ذلك، وأن بعض الأنبياء بعد آدم كانوا يحجون إلى المكان ولا يعرفون موضعه، حتى جاء إبراهيم الخليل فبناه.