وأما مذهب ابن القيم -رحمه الله- فإن كثيراً من أهل العلم ينسبونه إلى المذهب الحنبلي، ولكنك إذا دققت في أقواله وفتاويه، وجدت أنه -رحمه الله- يسير على طريقة السلف في اتباع الأدلة، فيدور مع الدليل حيثما دار؛ سواءً كان الدليل في مذهب أحمد، أو في مذهب الشافعي، أو في غيرها، وكان عنده منهجٌ عظيمٌ- ينبغي لكل طلبة العلم أن يقتدوا به- حيث كان يبحث عن الدليل وينشده مع احترام الأئمة، فلا هو بالذي يقول: هم رجال ونحن رجال؛ بل كان يبحث عن الدليل وينشد الدليل مع احترام الأئمة، فأينما وجد الدليل ذهب إليه كان القائل به من كان، فكانت قاعدته مناشدة الدليل مع احترام الأئمة، وكثيراً ما كان يفتي بخلاف المذهب.
ومن اللطائف التي حكاها -رحمه الله- عن شيخه، شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يدرس في مدرسة لرواد الفقه الحنبلي، وكانت المدارس في ذلك الوقت توقف عليها أوقافاً حتى يصير منها صرف على المدرسة، وطلبة المدرسة، ورواتب للمدرسين، وثمن الكتب والمعيشة وهكذا، فقال بعضهم لشيخ الإسلام ابن تيمية مرةً- وكان شيخ الإسلام مجتهداً يدور مع الدليل ولا يتعصب لمذهب- قالوا له: أنت تأخذ من وقف هذه المدرسة وواقفها شرط أنها للحنابلة، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد لا على تقليدي لهم، وأنا عالم بمذهب أحمد عارف به وبأصوله.