ثم يقول في الحديث:(فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل) هذا القلق جعل الغلام ينتظر اليوم الذي يأتي ويكون فيه حصحصة الحق وتمييز الهدى من الضلال، الآن الغلام جالس ينتظر لأنه فيها جذب فيها قلق وحيرة واضطراب يريد أن يعرف أين الحق، فالآن هنا عدة نقاط: النقطة الأولى: أن القلق والاضطراب نتيجة التلقي من أكثر من مصدر متضادة هو علامة صحيحة تبين صحة التلقي، يعني: لو أن الغلام هذا يأخذ الدين والسحر، وليس عنده إشكال، الدين لأهل الدين، والسحر لأهل السحر، فهل هذا شيء واقع صحيح؟ لا.
لا بد أن يحدث التناقض ما دام أن مصدر التلقي فيه تضاد واختلاف، فإذاً نفكر الآن نحن في واقعنا، أجيال المسلمين -أيها الإخوة- اليوم تتلقى الإسلام بطريقة لا تشعرهم بمخالفة الواقع لهذا الدين، الآن بعض المسلمين يتلقون الدين بطريقة عجيبة لا تشعرهم مطلقاً أن واقعهم أصبح واقع منكرات وواقعاً جاهلياً يخالف ما يتلقونه، فلذلك ليس عندهم مشكلة، ليست عندهم قلق، ولا اضطراب ولا تحير ولا شيء، الدين لأهل الدين، والباطل يوجد له مجال، ولا يوجد إشكال، هذا التلقي عندهم تلقٍّ مرضي، غير صحيح، إذ يجب أن يثور القلق والاضطراب في النفس إذا كان الواحد يتلقى شيئين متضادين، فلا بد أن يتحرك أهل الدين لتحديد موقفهم من الواقع، إذا كانت طريقة تلقيهم للدين صحيحة، أما إذا كان لا يوجد تميز ولا يوجد تحديد موقف فعند ذلك نقول: هذا الدين الذي تتلقونه فيه أخطاء، وإلا كنتم أحسستم بالتناقض، لو أن أحداً مثلاً يتعلم أحكام الإسلام، لا يجوز الاختلاط ويذكر الأدلة والأحاديث وهو واقعه في البيت اختلاط، الرجال والنساء يجلسون مع بعض، والأمور تسير عنده ولا يوجد إشكال، ولا يشعر بأي نوع من القلق والاضطراب، هل هذا الأمر صحيح؟ لا.
نقول له: إما أن طريقة تلقيك خطأ، فعندك مبدأ في أنه يمكن التعايش بين الحق والباطل، أو أن الشيء الذي أنت تتلقاه خطأ، كأن تكون فاهماً أن الاختلاط مكروه، يعني: خلاف الأولى والأحسن عدم الاختلاط، لكن في حقيقة الأمر الاختلاط حرام في الشرع.
فإذاً: شعور الغلام بالتناقض الذي يجعله يترقب بشدة اليوم الذي يأتي ليتبين فيه الحق، فجاء اليوم الذي طالما ترقبه هذا الغلام بلهفة وطول انتظار.