[الفقه عمدة العلوم]
ثم ننتقل إلى قضية تعلم الفقه وأهمية القفه: قال ابن الجوزي رحمه الله: إن الفقه عليه مدار العلوم، فإن اتسع الزمان للتزود من العلم فليكن من الفقه فإنه الأنفع.
وقال الشافعي لـ يونس بن عبد الأعلى: عليك بالفقه، فإنه كالتفاح الشامي، يحمل من عامه.
وقال ابن الجوزي: الفقه عمدة العلوم.
وقال محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام، وكان يقول: لعن الله عمرو بن عبيد، لقد فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم.
وقال بعض العلماء: أفضل العلوم بعد علم التوحيد معرفة الفقه والأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام.
فلا شك أن علم التوحيد أشرف العلوم العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وربوبيته، وألوهيته، هذا أشرف العلوم ليس هناك شك، وبعده يكون الفقه، وكل ذلك خاضع الكتاب والسنة، ليس هناك شك، والاعتناء بالدليل، وصحة الدليل كيف تعتقد شيئاً لم يصح؟! وكيف تعمل بشيء في الحلال والحرام لم يصح؟! وقال كذلك: أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه عرف أنه أفضل العلوم، واعتبر هذا بأهل زماننا، فإنك ترى الشاب يعرف مسائل الخلاف الظاهرة فيستغني، وكم رأينا مبرزاً في علم القرآن، أو في الحديث، أو في التفسير، أو في اللغة، لا يعرف مع الشيخوخة معظم أحكام الشرع، وربما جهل علم ما ينويه في صلاته.
على أنه ينبغي للفقيه ألا يكون أجنبياً عن باقي العلوم، فإنه لا يكون فقيهاً، بل يأخذ من كل علم بحظ، ثم يتوفر على الفقه، فإنه عِزٌّ الدنيا والآخرة.
فإن سألت عن منهج دراسة الفقه وكيف ندرس الفقه؟ فالجواب باختصار في ابتداء دراسة الفقه: أن تجمع بين متن فقهي ميسر يُشرح على شيخ ثقة، ومتن حديثي يُطعِّم الفقه بأحاديث الأحكام.
وإذا أردت أن تدرس متناً خالياً من الأدلة فلتدرسه على شيخ يبين لك الراجح بالأدلة.
وإذا وجدت الشيخ لا يهتم كثيراً بالأدلة، فاختر كتاباً فيه أدلة، فمثلاً: تُقدّم منار السبيل على زاد المستقنع؛ لأن منار السبيل أكثر أدلة، أما إذا وجدت الشيخ مبيناً الأدلة فلا بأس أن تدرس عليه متناً في الفقه، لا تكثر فيه أو تندر فيه الأدلة؛ لأنه سيبين الأدلة من خلال الشرح.
إذاً: لا بأس بقراءة كتاب من كتب المذهب -مثلاً- على شيخ أو طالب علم يذكر فيه الراجح بالدليل، فيؤصِّل للمسائل من خلال الشرح.
أما الكتاب بمجرده فقد لا يعطي لك شيئاً كثيراً في الغالب، ودراسة الفقه من غير نصوص تورث أخذ الأقوال بلا أدلة، والتقليد مذموم، والمُتَعَصِّبَة يدرسون الفقه دون حديث، وبعض السطحيين في المقابل يدرسون الحديث دون فقه، فلو جمعتَ بين كتاب في كل جهة منهما لكن ذلك جيداً، فلو درستَ العمدتين، عمدة الفقه لـ ابن قدامة، وعمدة الأحكام لـ عبد الغني -رحمهما الله- لكان هذا الجمع جيداً جداً، أو أخذتَ مثلاً زاد المستقنع مثلاً مع كتاب بلوغ المرام تجمع بين المتن الفقهي وبين المتن الحديثي فإن ذلك خير عظيم.
ثم بعد ذلك تتدرج في الفقه، تأخذ كتاباً واحداً ليس فيه إلا قول واحد حتى لا تتشتت، القول موجود مع الدليل، ثم بعد ذلك تنتقل إلى معرفة القولين أو الخلاف في المسألة ونحو ذلك، أو ما يوجد في المذاهب الأخرى، وتأمل ابن قدامة -رحمه الله- كيف رتب المنهج، فإنه أولاً جعل عمدة الفقه قولاً واحداً، ثم المقنع قولين، ثم الكافي فيه تفصيل أكثر، ثم المغني فيه فقه مقارن.
فالذي يريد أن يدرس المسائل من المغني مباشرة من أولها، وهو لم يُجِدْ على الأقل قولاً في المسالة بدليلٍ يعرفه، فهذا يُضيّع كثيراً، ولو ذهبت إلى بلد في المغرب لوجدت أنهم يدرسون متناً في الفقه المالكي أو في بلد آخر يدرسون متناً في الفقه الشافعي أو الحنفي ونحو ذلك، أو قد يدرس متناً ليس على مذهب معين، كـ الدرر البهية للشوكاني مثلاً.
فالشاهد: أن تجمع بين متن فقهي مع متن آخر فيه أدلة.
وحتى متون الأحاديث أحاديث الأحكام فيها تدرج، فمثلاً: إذا بدأت بـ عمدة الأحكام، ثم بلوغ المرام، ثم منتقى الأخبار، هذه متون فيها ابتداء وتوسط وتوسع.